وجه جديد للتباطؤ الاقتصادي

وجه جديد للتباطؤ الاقتصادي

يمر الاقتصاد العالمي في الوقت الراهن بحالة تباطؤ، في وقت تواجه اثنتان من كبريات اقتصادات الأسواق الناشئة، واللتان قادتا النمو العالمي في جزء كبير منه على مدار الأعوام الـ15 الماضية، مصاعب اقتصادية. 
ويبقى التساؤل الذي يطرح نفسه الآن ما إذا كانت أكبر الاقتصادات الناشئة، الصين، تواجه مصاعب هي الأخرى.


الملاحظ أن أسعار السلع تشهد تراجعًا حادًا، كما يتضاءل حجم التجارة. علاوة على ذلك، بدأ مؤشر «بالتيك دراي» لتكاليف الشحن، الذي كان قد تعافى من مستوى منخفض قياسي في وقت مبكر من العام الحالي، في الانحسار مجددًا.
كما تظهر مؤشرات على أن التراجع الراهن مرتبط بدورة اقتصادية - والمعتقد أن أسعار النفط ستعاود الصعود يومًا ما. وينطبق القول ذاته على أسعار أسهم وسندات الأسواق الناشئة.
وربما نعاين حاليًا مؤشرات مبكرة على تغييرات أطول أمدًا في الاقتصاد العالمي - تغييرات يمكن أن تكون شديدة الإيجابية، لكنها تحمل أيضًا إمكانية إحداث تغيير كبير في الأسلوب الذي يسير به العالم اليوم.
بعد ارتفاع هائل في العقد الأول من القرن الـ21، انحسر حجم التجارة في أعقاب الأزمة المالية عام 2008. ولاحقًا، استعادت التجارة عافيتها، لكنها انحسرت ثانية عام 2013. وتكشف الأرقام الحديثة الخاصة بالقوى السبع الكبرى ودول مجموعة «البريكس» أن التراجع قد يتسارع.
والملاحظ أن مثل هذه الأمور تحدث في موجات. إلا أن هناك أسبابا وجيهة تدعو للاعتقاد بأن المكاسب التجارية التي تحققت خلال العقدين الأخير من القرن الـ20 والأول من الـ21 لن تتكرر قريبًا. لا يسعني سوى التفكير (ربما على نحو يعتمد على الأمنيات أكثر منه على واقع) في أن ما نعايشه الآن قد يكون بدايات الاستقرار عند مستوى معين في الطلب العالمي على الأشياء - بل وربما الموارد المطلوبة لتصنيعها. في الواقع، توحي أحدث التوقعات الصادرة عن الأمم المتحدة بخصوص السكان، والتي نشرت في يوليو (تموز)، بأن عدد سكان الأرض قد يقترب من مستوى استقرار.
ومع ذلك، فإن التوقعات تشير إلى أن ذلك لن يحدث قبل نهاية القرن. ومع ذلك، يبقى من المحتمل ألا يحدث ذلك مطلقًا. من ناحية أخرى، لا يزال هناك مليارات بشتى أرجاء العالم يحلمون بالفكاك من براثن الفقر واستهلاك المزيد من الأشياء والموارد. وكي يحدث نمط التحول الذي أتحدث عنه يجب أن نشهد شراء الأفراد الميسورين بالفعل لأشياء أقل واستهلاكهم موارد أقل. والتساؤل هنا: هل نشهد ذلك فعلاً؟
هناك تحولات مذهلة مر بها الاقتصاد الأميركي على امتداد الأعوام الـ65 الماضية، فقد نما الاقتصاد الأميركي بدرجة كبيرة للغاية خلال تلك الفترة لدرجة أن الأفراد حاليًا لا يزالون يشترون منتجات مادية أكثر عما كانوا يفعلون في خمسينات القرن الماضي. وعلينا ألا ننسى المنتج الذي لطالما شكل السلعة الأيقونية للاقتصاد الأميركي: السيارة.
وحاليًا، يستهلك الأميركيون قدرًا من الطاقة بالنسبة للفرد أقل بكثير عما كان عليه الحال في تسعينات القرن الماضي. في أوروبا، تعرض هذا المسار للتشويش نتيجة انضمام دول أوروبا الشرقية إلى الاقتصاد العالمي في التسعينات، مما جلب ثروات متزايدة واستهلاكا أعلى للطاقة. وبطبيعة الحال، كان النمو السريع في استهلاك الطاقة داخل الصين أحد العوامل وراء الازدهار العالمي للموارد الطبيعية والذي انهار مؤخرًا.