هل بددت زيارة الملك سلمان لواشنطن هواجس السعودية؟

هل بددت زيارة الملك سلمان لواشنطن هواجس السعودية؟

قام الملك سلمان بن عبد العزيز مطلع أيلول/ سبتمبر الجاري بزيارة إلى واشنطن، هي الأولى منذ توليه الحكم في كانون الثاني/ يناير الماضي. وعلى الرغم من أنّ النبرة الإيجابية التي ميّزت الكلمات الافتتاحية للقمة وبيانها الختامي أعطت انطباعًا بتقلّص حدة التوتّر المكتوم بين الحليفين بسبب استياء الرياض من سياسات إدارة الرئيس باراك أوباما في عموم المنطقة، فإنها أخفت وراءها تباينات كبيرة في المواقف إزاء معظم القضايا التي جرى تناولها، وأهمها الاتفاق النووي مع إيران، والأوضاع في سورية واليمن، والعلاقات العسكرية والدفاعية بين البلدين.


أولًا: الاتفاق النووي مع إيران

أعلن الرئيس أوباما، خلال المؤتمر الصحافي الذي سبق الاجتماعات المغلقة بين الطرفين، أنّ القمة السعودية - الأميركية سوف تناقش "أهمية تطبيق الاتفاق (النووي مع إيران) بفاعلية؛ لضمان ألا تملك إيران سلاحًا نوويًا، إلى جانب التصدي لأنشطتها التي تزعزع استقرار المنطقة[1]". وحسب البيان الختامي الصادر عن القمة، فقد "أعرب الملك سلمان عن دعمه لخطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) بين إيران ومجموعة دول 5+1، والتي ستمنع إيران حال تنفيذها بالكامل من الحصول على سلاحٍ نووي، ومن ثمّ تعزيز الأمن في المنطقة"[2]. وبناءً على هذه الشروط أعلنت المملكة العربية السعودية تأييدها للاتفاق؛ إذ قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إنّ "الرئيس شرح الاتفاق وأكد أنه يمنع إيران من الحصول على سلاح نووي، وأنّه يتضمن نظامًا رقابيًا صارمًا وغير مسبوق يشمل تفتيش كل المواقع... وينص على العودة إلى العقوبات إذا انتهكت إيران شروط الاتفاق". غير أنه استدرك: "الآن لدينا مشكلة أصغر للتعامل معها، في ما يتعلق بإيران، فالآن يمكننا أن نركز أكثر على أنشطتها المخربة في المنطقة"[3]، وهو ما يعكس القلق الخليجي والسعودي من أنّ إيران ستستخدم الأموال المجمدة التي سيُفرج عنها بموجب الاتفاق في زرع القلاقل في المنطقة.


ثانيًا: الوضع في سورية

تشكّل الأوضاع في سورية أحد أهم أسباب التوتر السعودي - الأميركي؛ إذ عبّرت الرياض غير مرة عن استيائها من تردّد إدارة أوباما في الحسم مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد. فقد وافقت السعودية على المشاركة في الضربات الجوية التي تشنها الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، بعد لقاء جدة في حزيران/ يونيو 2014 بين الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز ووزير الخارجية الأميركي جون كيري[4]، لكنها ما زالت تسعى لموقف أميركي أكثر حزمًا تجاه الأسد، فضلًا عن تقديم مزيدٍ من الدعم لقوى المعارضة التي تحارب نظامه.

وعلى الرغم من أنّ البيان الختامي شدّد "على أهمية التوصل إلى حلٍّ دائمٍ للصراع السوري على أساس مبادئ جنيف 1 لوضع حدٍ لمعاناة الشعب السوري، والحفاظ على استمرارية المؤسسات الحكومية المدنية والعسكرية، والحفاظ على وحدة أراضي سورية وسلامتها، وضمان بروز دولة مسالمة وتعددية وديمقراطية خالية من التمييز أو الطائفية... وأنّ أي تحوّلٍ سياسي هادفٍ يجب أن يتضمن رحيل بشار الأسد الذي فقد شرعيته لقيادة سورية"، فإنّ البيان لم يحدّد آليات عملية لتحقيق ذلك كله.


ثالثًا: الوضع في اليمن

قد يكون الموضوع اليمني هو أكثر الملفات التي أثارت خلافًا أميركيًا سعوديًا؛ فالولايات المتحدة عبّرت عن قلقها من تداعيات العمليات العسكرية التي تقودها السعودية ضد المتمردين الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح على السكان المدنيين[5]. كما دعا أوباما "إلى استعادة حكومة فاعلة تتسم بالشمولية ويمكن لها تخفيف الوضع الإنساني هناك"[6]. وعلى الرغم من أنّ البيان الختامي نصّ على التزامٍ سعودي بالسماح بفتح موانئ البحر الأحمر العاملة تحت إشراف الأمم المتحدة لتقديم مزيدٍ من الدعم الإنساني الدولي للسكان المدنيين، فإنّ المملكة تصرُّ على تفتيش أي مساعدات لضمان عدم تهريب إيران أسلحة للحوثيين[7]. وفي هذا السياق، تبرز المعضلة الأميركية في علاقاتها مع السعودية ودول الخليج عمومًا؛ فهي من جهة تحاول إقناعهم بأنها لم تتخلّ عن مسؤولياتها تجاه تعزيز أمنهم، وبخاصة ضد أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار بعد الاتفاق النووي، في حين تحاول، من جهة أخرى، الضغط عليهم لضبط النفس ضدّ إحدى أدوات إيران في المنطقة التي تهدد الأمن الخليجي. ومع أنّ البيان الختامي للقمة يؤكد اتفاق الطرفين "على الحاجة الملحّة لتنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، بما في ذلك القرار رقم 2216، لتسهيل التوصّل إلى حلٍ سياسي على أساس مبادرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية ونتائج الحوار الوطني"[8]، فمن الواضح أنّ المملكة ماضية مع حلفائها العرب في سعيهم لطرد الحوثيين وقوات صالح من صنعاء.


رابعًا: العلاقات العسكرية والدفاعية

أورد البيان الختامي للقمة السعودية - الأميركية أنّ الزعيمين ناقشا "تسريع توفير بعض المعدات العسكرية للمملكة، فضلًا عن تعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، والأمن البحري، والأمن الإلكتروني، وبرنامج الصواريخ الباليستية الدفاعية"[9]. وحسب صحيفة نيويورك تايمز، تعمل وزارة الدفاع الأميركية على استكمال تفاصيل صفقة بمليار دولارٍ يجري بموجبها تقديم أسلحة للجيش السعودي في حملته ضد الجماعات الجهادية في سورية والعراق والمتمردين الحوثيين في اليمن[10]. غير أنّ مسؤولين أميركيين قللوا من شأن هذه الصفقة، مشيرين إلى أنها لا تتضمن طائرات حربية، وأنّ الأمر مقتصر على صواريخ مخصصة للاستعمال في طائرات إف-15، في حين لا تنوي الولايات المتحدة بيع أي طائرة من طراز إف-35 الأكثر تطورًا للمملكة، إذ إنّ امتلاكها في المنطقة مقتصر على إسرائيل[11].

وعلى الرغم من إعراب السعودية عن حاجتها لمعدات وذخائر أكثر تقدمًا للتصدي للتيارات الجهادية مثل "القاعدة" و"داعش"، فضلًا عن محاولات التمدّد الإيراني في المنطقة، فإنّ الولايات المتحدة تقلل من أهمية الأمر؛ فقد ذهب نائب مستشار الأمن القومي الأميركي، بن رودس، إلى أنه حتى لو قامت إيران بضخ جزءٍ كبيرٍ من الأموال التي سيُفرج عنها في مؤسستها العسكرية، فإنها ستبقى تنفق أقل بكثير من دول الخليج على برامج التسلح، وأنّ "ميزانية الدفاع لدى شركائنا في الخليج أكثر بثماني مرات من ميزانية الدفاع لدى إيران"[12]. وعوضًا عن ذلك، ترى الإدارة الأميركية أنّ السعودية بحاجة إلى الاستثمار في برامج تسلّح غير مكلفةٍ نسبيًا، وكذلك في التدريب الذي يمكنها من مواجهة التهديدات غير التقليدية لإيران ووكلائها. ويرى رودس أنّ البيت الأبيض يشجع السعوديين على زيادة التركيز على بناء القوات الخاصة، وتبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون مع حلفائهم في الخليج في مجالات مثل الأمن الإلكتروني، والدفاع الصاروخي، بدلًا من شراء طائرات مقاتلة أو طائرات عمودية "هليكوبتر" هجومية مكلفة[13]. إنّ التردّد الأميركي في تلبية احتياجات السعودية من السلاح، يضاعف الهواجس لديها إزاء الاعتماد على الولايات المتحدة في تلبية متطلبات أمنها القومي.


أهداف القمة السعودية - الأميركية

إذا كان هذا هو حال المواقف الأميركية والسعودية إزاء التهديدات الأساسية في المنطقة، فما الذي أراد الطرفان تحقيقه من القمة، وبخاصة أنّ أسباب عدم مشاركة الملك سلمان في قمة كامب ديفيد في أيار/ مايو الماضي ما زالت قائمة؟ يمكن تلخيص الأهداف السعودية والأميركية من عقد القمة بأنها استجابة براغماتية من الطرفين للمستجدات المحلية والإقليمية؛ فمن زاوية حسابات المملكة، أخذ التركيز ينصبّ أكثر على الحصول على ضمانات تمنع إيران من امتلاك السلاح النووي، ودفع واشنطن إلى بذل جهد أكبر لاحتواء أنشطتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة، والحصول على تعاون أمريكي لوجستي واستخباراتي أكبر في الحملة التي تقودها السعودية في اليمن، والدفع باتجاه دورٍ أميركي أكثر انخراطًا في سورية لا يقتصر على استهداف "داعش" دون الأسد، وذلك بدلًا من الاستمرار في معارضتها للاتفاق النووي مع إيران الذي أصبح حقيقة واقعة لا يمكن تغييرها.

أما إدارة أوباما، فإنها تريد تعزيز وضعها الداخلي في مواجهة منتقدي الاتفاق النووي مع إيران في الكونغرس الأميركي عبر تحييد المعارضة السعودية والخليجية له، وهو الأمر الذي تحقق في محادثات الدوحة، الأميركية - الخليجية، الشهر الماضي على مستوى وزراء الخارجية، وتعزّز في القمة الأميركية - السعودية الأخيرة. وسوف يصوّت الكونغرس قبل 17 أيلول/ سبتمبر الجاري على الاتفاق، ومن المتوقع أن ترفضه الأغلبية الجمهورية في مجلسيْ النواب والشيوخ. ولكن يبدو أنّ جهد إدارة أوباما قد أفلح في كسب تأييد عددٍ كبيرٍ من الحزب الديمقراطي للاتفاق، وهو ما يعني إلغاء إمكانية حشد الجمهوريين لأغلبية الثلثين لتجاوز عقبة الفيتو الرئاسي على تصويتهم ضد الاتفاق؛ فحتى اليوم، أعلن 42 عضوًا ديمقراطيًا في مجلس الشيوخ تأييدهم للاتفاق[14]. وبهذا، عززت القمة من موقف الإدارة الأميركية داخليًا.


خلاصة

جاءت القمة الأميركية - السعودية في سياق حسابات براغماتية خالصة من الطرفين؛ إذ تسعى واشنطن لتوفير عناصر نجاح تنفيذ الاتفاق النووي مع إيران، في حين تسعى السعودية لإعادة صوغ علاقة إستراتيجية أمنية جديدة مع الولايات المتحدة تضمن لها التصدي لأنشطة إيران التي تهدد الأمن الخليجي مباشرة. ومن الواضح أنّ الخليجيين، وتحديدًا السعودية، وهم يمضون في خيار إعادة صوغ العلاقات الإستراتيجية مع الولايات المتحدة، يدركون محدودية الاعتماد على هذا المسار وحده. ومن هنا، يأتي أخذهم زمام المبادرة في اليمن، وبدرجة أقل في سورية، لحماية مصالحهم الإستراتيجية في مواجهة التغول الإيراني والتراجع الأميركي.