المجتمع الأكاديمي الأميركي وحرية التعبير

المجتمع الأكاديمي الأميركي وحرية التعبير

أصبحت الرقابة داخل المجتمع الأكاديمي الأميركي من الأمور الشائعة، حيث يتعرض الطلاب ومسؤولو الجامعة بصورة متزايدة للتحقيق والعقاب، بسبب التعبير عن آراء مثيرة للجدل أو تمثل انشقاقًا عن التيار السائد أو حتى مثيرة للقلق ببساطة. والآن حان الوقت كي تأخذ الكليات والجامعات نفسًا عميقًا، وتذكر حقيقة ماهيتها وإعادة التأكيد على التزامها الأساسي بحرية التعبير.


ويكشف العام الأكاديمي السابق عددًا من الأمثلة المثيرة للإحباط، تتعلق بإخفاق مؤسسات معنية بالتعليم العالي في الارتقاء لمستوى مهمتهم الجوهرية. على سبيل المثال، داخل جامعة نورثويسترن خضعت البروفسورة لورا كيبنيس لتحقيق استمر شهورًا بسبب نشرها مقالاً في دورية «كرونيكل أوف هاير إديوكيشن» ناقشت خلاله قضية اعتداء جنسي، حظيت باهتمام واسع. وبعد ذلك بشهور قليلة، أقدمت زميلتها البروفسورة أليس دريغر على خطوة شجاعة بتقديمها استقالتها اعتراضًا على الرقابة المفروضة من قبل جامعة نورثويسترن على دورية طبية صادرة عن الكلية التي تعمل بها.
وفي سياق متصل، فصلت جامعة ولاية لويزيانا البروفسورة تيريزا بوشنان، بعد عمل استمر قرابة عقدين بسبب استخدامها ألفاظًا إباحية من حين لآخر، التي اعتبرتها الجامعة فجأة نوعًا من «التحرش الجنسي».
ومن جانبها، أقرت جامعة ولاية شيكاغو سياسة جديدة لمكافحة الاستئساد الإلكتروني، ترمي لإسكات مدونة كانت تنقد قيادة الجامعة.
ويدرس أعضاء مجلس جامعة كاليفورنيا إقرار «إعلان مبادئ ضد التعصب» من شأنه حظر «لغة التحقير التي تعكس قوالب نمطية أو تحاملاً». كما تفكر مؤسسات تعليمية أخرى في حظر ما يطلق عليه «أعمال الاعتداء شديدة الصغر» أو فرض «إطلاق تحذيرات» لحماية الطلاب من الاضطرار لمواجهة أفكار أو مواد قد تثير ضيقهم. كما سحبت مؤسسات أكاديمية أخرى دعوات كانت قد وجهتها لمتحدثين اتخذوا مواقف يعتبرها بعض أعضاء مجالس هذه المؤسسات غير مناسبة أو مرفوضة أو خاطئة - وهو إجراء انتقده الرئيس أوباما هذا الشهر، قائلاً إن «تدليل الطلاب وحمايتهم من وجهات النظر المختلفة، ليس أسلوبنا في التعلم».
والواضح أن القيود المفروضة على حرية التعبير داخل الحرم الجامعي لا تتوافق مع القيم الجوهرية للتعليم العالي. داخل المؤسسات العامة، تعد هذه القيود انتهاكًا للتعديل الأول، وداخل غالبية المؤسسات الخاصة تعتبر خرقًا للتعهدات المعلنة من جانب هذه المؤسسات بالحفاظ على الحرية الأكاديمية. والملاحظ انتشار مثل هذه القيود، حيث كشف آخر استطلاع صادر عن «مؤسسة الحقوق الفردية في التعليم» عن سياسات الكليات والجامعات أن أكثر من 55 في المائة من المؤسسات تقر قوانين تعبير غير ليبرالية تحظر التعبير عن الرأي بحرية. وبالنسبة للطلاب وأعضاء هيئة التدريس، تبدو الرسالة واضحة: إذا أعربت عما يدور في خلدك، فإن الخطر سيتهدد تعليمك أو عملك.
الآن، فاض الكيل، وبات من الواجب على كلياتنا وجامعاتنا استهلال عامها الأكاديمي الجديد بإعادة التأكيد على التزامها بحرية التعبير.
جدير بالذكر أن جامعة شيكاغو شكلت العام الماضي لجنة معنية بشؤون حرية التعبير للقيام بهذا الأمر تحديدًا. وأصدرت اللجنة بيانًا حدد المبادئ التي يجب أن توجه المؤسسات الملتزمة بتحصيل طلابها العلم من خلال خطاب حر ومفتوح. ويكفل البيان للطلاب وأعضاء هيئة التدريس حق «مناقشة أية مشكلة تفرض نفسها». كما يكفل لأعضاء المجتمع الأكاديمي «أوسع مجال ممكن لحرية الحديث والكتابة والإنصات والتحدي والتعلم».
والتساؤل الذي يفرض نفسه هنا: كيف ينبغي أن تكون استجابة الطلاب والمعلمين لدى مواجهتهم خطابًا يختلفون معه أو حتى يمقتونه؟ يطرح بيان شيكاغو الإجابة عن النحو التالي: «عبر تحدي الأفكار التي يعارضونها علانية وبحماس». وبناءً على التوقع بحدوث شد وجذب خلال موجات الجدال المحتدم، حدد البيان عددًا من القواعد المهمة «ليس من المقبول قمع الجدال أو النقاش لمجرد أن الأفكار المطروحة يراها البعض أو حتى غالبية الأعضاء داخل مجتمع الجامعة مذمومة أو غير حكيمة أو منافية للأخلاق أو خاطئة».
وبدعم من التزام قوي بحرية التعبير والحرية الأكاديمية، يمكن للكليات تحدي بعضها البعض وطلابها والرأي العام لتحفيزهم على رؤية إمكانات جديدة، من دون الخوف من التعرض لعقاب. وبدلاً من تعلم أن التعبير عن رأي المرء يستوجب إسكاته، سيتعلم الطلاب أن النقاش الملهم ضرورة حيوية لتعزيز المعرفة، وسيتعلمون أن الاستجابة المناسبة للأفكار التي يعارضونها ليست الرقابة، وإنما مناقشتها وتفنيدها - وهذا تحديدًا ما خلقت الجامعات من أجله.
إن حرية التعبير والحرية الأكاديمية لن تحمي نفسها بنفسها، وإنما فقط من خلال إعادة التأكيد العلني على ضرورة حرية التعبير داخل الحرم الجامعي، سيصبح من الممكن القضاء على موجة الرقابة الراهنة التي تهدد التفوق الأميركي المستمر بمجال التعليم العالي.