الاتفاق النووي.. سلبياته وإيجابياته

الاتفاق النووي.. سلبياته وإيجابياته

من واقع خبرتي السابقة وزيرًا للدفاع أثناء أزمة الرهائن الأميركيين في إيران، أستطيع أن أقول إن إيران قد تحاول الالتفاف على الاتفاق النووي. ومما يعزز من موقفي الاحترازي تجاه إيران مشاركتي في مفاوضات التسليح النووي مع الاتحاد السوفياتي، بدءا من عام 1958 حتى الجولة الثانية من مفاوضات الحد من التسلح التي جرت على صفيح ساخن أثناء الحرب الباردة. بيد أن الولايات المتحدة بوسعها فقط قبول أو رفض الاتفاق، ولذلك اسمحوا لي أن أناقش الحد الأدنى من سلبيات الاتفاق وإيجابياته، رغم أن التقدم في البرنامج النووي قد عُلق خلال فترة المفاوضات، إلا أنه لم يتبقَّ لإيران سوى عامين كي تكون قادرة على إنتاج السلاح النووي، وهذا الأمر في حد ذاته يعد مشكلة تتطلب الانتباه الفوري، إذ إن امتلاك إيران للسلاح النووي سوف يغري باقي القوى الإقليمية على السير على نفس النهج، وسوف تشتعل الصراعات في منطقة الشرق الأوسط والخليج. وبكل تأكيد، فقد شجع هذا الأمر الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين على تبني موقف موحد، ويعتبر هذا من المرات النادرة التي تتفق فيها تلك الدول على موقف موحد. ويشير المؤيدون للاتفاق إلى أن هناك بنودًا تضمن التزام إيران بالاتفاق، في حين يشير معارضو الاتفاق إلى مخاوف أخرى، منها برنامج إيران للصواريخ الباليستية، ناهيك بدعمها للإرهاب، وتهديداتها وتصريحاتها ضد وجود إسرائيل. رغم صحة تلك الملاحظات، فإنه ليست هناك صلة بينها وبين المهمة العاجلة التي تتمثل في محاولة منع إيران من امتلاك سلاح نووي بحلول عام 2017.


الوضع الآن هو كالتالي: إما أن تلتزم الولايات المتحدة بالاتفاق الذي اعتمدته كل الأطراف المشاركة أو يرفض الكونغرس التزام الولايات المتحدة بالاتفاق. وفي حال وافقت الولايات المتحدة وإيران على الاتفاق، فسوف يتوجب على إيران تخفيف أو تصدير مخزونها من اليورانيوم المخصب بالفعل حتى لا يكون بحوزتها مخزون كافٍ لإنتاج سلاح نووي. سوف يعمل ذلك على إعادة قدرة إيران على إنتاج سلاح نووي نحو 10 – 15 عامًا إلى الخلف. حتى في حال قررت إيران التنصل من الاتفاق، فسوف تتأخر إيران عامًا كاملاً عن إنتاج سلاح نووي، مع الوضع في الاعتبار أن إيران الآن لم يتبقَّ لها سوى شهور معدودة حتى تتمكن من الحصول على يورانيوم عالي التخصيب يكفي لإنتاج سلاح نووي.
كيف لنا أن نتحقق من تلك الحدود؟
بالمقارنة مع اتفاقات سابقة مع الخصم الذي شكل تهديدًا أكبر، الاتحاد السوفياتي السابق، فإن بنود المراقبة تضمن تدخلاً وقوة أكبر. وتعتبر فرص التحقق من خروقات إيران التي تقلص من فرص إنتاج سلاح نووي لأقل من عام واحد جيدة جدًا. الأكثر من هذا أن الاتفاق يشتمل على بنود تتيح العودة لفرض العقوبات الاقتصادية مجددًا في حال أخلّت إيران بالاتفاق. سوف يكون التفتيش الصارم والتعاون مع هيئة الطاقة الذرية أمرًا حيويًا.
هل يخفف الاتفاق الضغط على إيران بعد السماح لها بالتصرف في أصولها البنكية التي تقدر بالمليارات؟ نعم، إذ إن تلك هي طبيعة الاتفاق التي تجعل الخصوم يتخلون عن بعض الأهداف. كان بمقدورنا أن نصوغ اتفاقا أفضل، لكن إيران كانت سوف ترفض التوقيع على الوثيقة.
في حال منع الكونغرس الولايات المتحدة من الالتزام بالاتفاق، فسوف تسير إيران بكامل قوتها في برنامجها النووي. 
غير أن معارضي الاتفاق يحذرون من أن الاتفاقية تسمح لإيران بإنتاج سلاح نووي في غضون عامين، وذلك بعد 10 – 15 عاما من الآن. وبناء عليه، لماذا يبدو قبول ذلك الخطر المحدق الآن أمرًا أكثر إزعاجًا من قبول خطر يتهددنا بعد عشر سنوات؟ هل هناك طريقة أخرى لتأخير إنتاج إيران لسلاح نووي؟ حتى من يتوقون للحرب لا يقترحون الغزو، وحتى هجوم بواسطة القوات الخاصة، حسب يقيني التام، سوف يرتهن بالحظ بسبب تشتت مواقع التخصيب الإيرانية، وتظل الضربة الجوية الوقائية ضد المواقع النووية خيارًا وكارثيًا. سوف تهلل بعض الحكومات العربية للضربة على استحياء، لكنها لن تنضم إلينا، وسوف تصب شعوبها غضبها على الولايات المتحدة رغم بغضهم الشديد لإيران. في أحسن الأحوال، سوف تتسبب الضربة في تراجع البرنامج النووي الإيراني عامين إلى الخلف فقط، وسوف تعمل إيران على إعادة بناء موقع يصعب تحطيمه بالقوة العسكرية التقليدية، وسوف نترك إيران بسلاح نووي ورغبة أكبر في الانتقام. لن تتحمل روسيا والصين العقوبات الاقتصادية، وسوف تضعف كذلك العقوبات المفروضة من قبل دول أخرى. مع وضع كل تلك الأمور في الاعتبار فإن الحاجة إلى اعتماد الاتفاقية أمر لا يحتاج إلى ذكاء.