الإعلام السوري والمهاجرون: درس في الهروب إلى الأمام

الإعلام السوري والمهاجرون: درس في الهروب إلى الأمام

تحتلّ قضيّة اللاجئين السوريين صدارة الأخبار في الصحف والتلفزيونات العالميّة حالياً. وبدوره، لم يتجاهل الإعلام السوري الملفّ، كما يفعل عادةً مع قضايا على القدر ذاته من الأهميّة، فأفرد له مساحةً، ولكن على الصفحات الداخليّة للصحف، وتقارير هامشيّة ضمن بعض البرامج الحواريّة.


أفردت الصحف الرسميّة الثلاث «الثورة»، و «تشرين»، و «البعث» صفحاتها الأولى لتصريحات رئيس الحكومة وائل الحلقي حول ملفّ اللاجئين، والتي أكَّد فيها أنّ «القضية سياسيَّة هدفها تفريغ سوريا من كوادرها». كما نشرت تقارير ومقالات رأي تدور جميعها في فلك «الأهداف السياسية لهذه الظاهرة»، من دون الخوض في أبعادها الأخرى، مع تجاهل تام للبعد الإنساني، شغل الإعلام الغربي الشاغل.
ينتقد صحافيون وناشطون سوريون أداء الصحف الرسميّة في هذا الإطار، الأمر الذي يعدّه رئيس تحرير «الثورة» علي قاسم «افتراءً». يقول قاسم لـ «السفير»: «ننشر يومياً تقارير ومقالات وصورا حول هذه القضية المهمّة بالنسبة لنا. لكنّها ليست القضيّة الوحيدة، فلدينا في سوريا الكثير من القضايا المحورية الأخرى ويتوجب علينا متابعتها أيضاً». ويرى قاسم أن «التهم الموجهة للإعلام السوري نابعة إما عن قوى معادية، أو تنتج عن ردّة فعل عاطفيّة غير عقلانيّة، تتفشى على مواقع التواصل الاجتماعي».
من جهته، يرى علي حسون رئيس تحرير جريدة «بلدنا» المتوقّفة حالياً عن الصدور، أنّ الإعلام السوري «يسير بخطى بطيئة جداً، لا تستطيع مواكبة هموم السوريين». وفي قضيّة اللاجئين تحديداً، يرى حسون أن الإعلام السوري «هرب إلى الأمام» عن طريق النشر الخجول لبعض الأخبار. «كان يجب إيلاء القضيّة الاهتمام الأكبر، عن طريق فتح ملفات متتالية مواكبة للحدث، خصوصاً لناحية توثيق تورّط تركيا وحكومة أردوغان في الأزمة. بعض الصور المنشورة على مواقع التواصل، تظهر أنّ من بين المهجّرين من حملوا السلاح وارتكبوا فظائع في سوريا، انتهى بهم المطاف لاجئين في دول الاتحاد الأوروبي. فليس جميع اللاجئين فارين من الموت، كذلك ليس جميعهم قتلة، لكنّ الإعلام السوري تجاهل الخوض في التفاصيل، واتبع سياسة دفن الرؤوس في الرمال التي لم تعد تجدي نفعاً».
بدورها، ترى الصحافيّة ريما نعيسة أنّ «الإعلام السوري تعاطى مع القضيّة كأنّها تحصل على كوكب آخر، وتناولها من زاويتين لا ثالث لهما، إمّا نظريّة المؤامرة، أو تخوين كل لاجئ». وتضيف: «تجاهل الإعلام السوري الأسباب التي تدفع بالشباب وبشرائح كثيرة في المجتمع للهجرة، ليس الآن فقط، بل قبل نشوب الصراع بوقت طويل، وفي وقت كان الإعلام السوري يتباهى بمكرمات النظام على السوريين. فتلك المرحلة شهدت هجرات جماعية لم تكن ملحوظة بالقدر ذاته لهجرات اليوم التي تظهر بشكل واضح، بفعل الحرب والتغطية الإعلامية الغربية التي لا يمكن أن نعدّها بريئة بالمطلق».
وسائل الإعلام المرئية سارت على نفس خطى الصحف السورية، إذ مرّت أخبار اللاجئين مروراً سريعاً خلال نشرات الأخبار. وخصَّصت المحطات الرسميّة «الفضائيّة» و «الإخباريّة»، وقناة «سما» الخاصة (شبه الرسميّة)، حلقات حواريّة لمناقشة أزمة المهاجرين، والحديث بإسهاب عن خسارة سوريا للكوادر الشابة. على سبيل المثال استضاف المذيع العراقي حسين فياض على «الإخبارية» محلّلين وشبابا لمناقشة الملفّ، وظهرت الفجوة واضحة بين توجه القناة وآراء المحللين، وأفكار الشباب الذين ركزوا على النواحي الاقتصادية والإنسانية، في حين أصرّ أحد الضيوف على أنّ «كل من يهاجر خائن لبلده».
بطبيعة الحال، لا جديد في ما يخص أداء الإعلام السوري المترهل. الجديد يكمن في «التذاكي»، وإتباع سياسة «تمييع القضايا»، التشكيك في نوايا المهاجرين من دون توثيق، الاعتماد على محلّلين جاهزين لخلط أوراق أيّ قضيّة بالمصطلحات الغريبة التي تحتاج إلى معاجم لفك طلاسمها. في حين يبقى الثابت الدائم تصدر اجتماعات الحكومة وآراء الوزراء لنشرات الأخبار وعناوين الصحف.