ازمات المنطقة في 2015

ازمات المنطقة في 2015

يشهد الشرق الاوسط سلسلة من التطورات والاحداث الجسام التي تؤشر الى تفكك كامل النظام الذي نتج عن تفكك السلطنة العثمانية، ووضع اتفاقية سايكس - بيكو موضع التنفيذ قبل مئة عام. هذا النظام السياسي الذي نتج عن سقوط السلطنة، وسيطرة نظام الانتداب الفرنسي والبريطاني على المنطقة العربية لم يراع حقائق التاريخ ولا وقائع الجيوبوليتيك، ولا تطلعات وأمل الشعوب. يبدو الآن بوضوح أن الدول التي نشأت في ظله باتت تشهد تباعاً انفجارات سياسية وأمنية كبرى، ودون اعطاء اي مؤشر عن طبيعة الأنظمة التي يمكن ان ترث الدول المتهاوية.


ينظر عدد من المؤرخين الغربيين الى ان كل المشاكل والمعضلات التي شهدتها دول الشرق الاوسط ما هي سوى نتيجة طبيعية للقرارات التي اتخذها المنتصرون في الحرب العالمية الاولى في مؤتمر باريس للسلام الذي انعقد في عام 1919، فالمشكلة الفلسطينية بكل مآسيها هي من انتاج تلك القرارات. وان كل الصراعات العربية - العربية وبين العرب والقوى الغربية تجد جذورها واسبابها في صلب تلك القرارات مع هول ما نتج عنها من ارتدادات على الجيوبوليتك العربي والاقليمي.
نحن نعتقد بأن العصر الذي انتجه مؤتمر باريس للسلام يقارب نهايته وبأن كل الانظمة التي نشأت عنه هي مرشحة للزوال في العقود المقبلة. هذا ما يؤشر اليه مسار الاحداث التي بدأت مع «ثورة الياسمين» في تونس في عام 2010، وهي مستمرة في التفاعل بقوة في عدد من الدول الهامة والمركزية مثل سوريا والعراق ومصر. لقد سقطت، او هي على طريق السقوط اقوى الانظمة الاستبدادية التي كانت تحكم هذه الدول، يضاف اليها سقوط نظام معمر القذافي في ليبيا بعد حكم دام ما يقارب اربعة عقود ونصف لكن لم تمر هذه التطورات بسهولة، حيث قاومت بعض الانظمة ارادة التغيير التي عبرت عنها الشعوب، ودخلت بعضها في حرب داخلية مدمرة، وهي مستمرة، ومرشحة لمزيد من التصعيد، على غرار ما تشهده سوريا واليمن والعراق من حروب. وان المخاطر الكبرى باتت تتمثل بتحوّل هذه الحروب من صراعات داخلية (بين الشعب وقوات النظام) الى حروب بالوكالة تشارك فيها القوى الاقليمية والدولية. والمؤسف أن هذه الصراعات باتت تدفع نحو انقسامات وحروب وفتن مذهبية واتنية، وبما يهدد مستقبل وحدة الارض والشعب في سوريا والعراق وليبيا واليمن.
مع نهاية عام 2015، نرى أنه من المفيد ان نتحدث ونستعرض مسلسل التطورات والاحداث الهامة التي شهدتها منطقة الشرق الاوسط، سواء تلك الناتجة عن مواقف القوى الدولية الرئيسية تجاه ما يجري في المنطقة، وخصوصاً بعد دخول القوى العسكرية العظمى في العالم الى مختلف ميادين الصراع الذي تشهده المنطقة، او تلك الناتجة عن احداث الربيع العربي او عن الصراع العربي - الايراني، والذي يهدد بانقسامات سنية - شيعية خطيرة.
نحن نعيش في عين العاصفة التي تهب على منطقة الشرق الاوسط، ولذلك فانه من غير الممكن اجراء قراءة واعية لمسار الازمات التي تشهدها المنطقة، وبالتالي نزعة واضحة عما سيحمله المستقبل، لكنه يبقى من الضروري والمفيد اجراء قراءة سريعة حول طبيعة الاحداث التي تشهدها الدول، وتأثيرها وارتداداتها المباشرة على الدول المجاورة، وعلى الأمن والاستقرار الاقليمي والدولي. من ابرز هذه الاحداث والتطورات التي شهدها عام 2015 مع كل تفاعلاتها المستمرة:
1- الاتفاق النووي الايراني: وقعت ايران مع القوى الدولية الرئيسية الخمس زائد ألمانيا اتفاقية عرفت باتفاقية فيينا، وهي تقضي بوضع حد لجهود ايران النووية، والتي كادت تضعها على شفا صنع القنبلة النووية، وجرى في وقت لاحق اعتماد هذه الاتفاقية من خلال قرار دولي صدر عن مجلس الامن الدولي. تضع هذه الاتفاقية كل الضوابط الممكنة للحؤول دون امتلاك ايران لسلاح نووي خلال فترة تتراوح ما بين 10 الى 15 سنة.
يبدو أن الاتفاق قد دخل حيّز التنفيذ، خصوصاً بعد ان قررت لجنة الخبراء في الوكالة الدولية للطاقة الذرية إقفال ملف ايران الخاص بنشاطاتها النووية العسكرية السابقة. وتبعاً لذلك فقد بدأت ايران استعداداتها لشحن كميات الاورانيوم المخصّب الفائضة عن الحد المسموح به الى روسيا، وباتت ايران تتوقع رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها وبما يفتح الباب لتحرير صادراتها النفطية وفتح تجارتها الخارجية. وتتوقع ايران ان يحرّر المجتمع الدولي أموالها المجمدة والتي تزيد عن 100 مليار دولار اميركي.
يبقى ان نرى ما هي السلوكية التي يمكن ان تعتمدها ايران في علاقاتها الدولية وفي سياساتها تجاه دول المنطقة، حيث تتهم بأنها تسعى للهيمنة على عدد من الدول الاقليمية في محاولة لاعادة بناء الامبراطورية الفارسية.
2- الحرب في اليمن: بعد اسقاط الشرعية اليمنية من قبل الحوثيين وجماعة علي عبدالله صالح، واحتلالهم كل الاراضي اليمنية، شعرت المملكة العربية السعودية بخطورة الموقف المستجد من خلال دعم ايران للحوثيين عسكرياً ومالياً، خصوصاً ان المملكة تعتبر أن اليمن هو بمثابة الحديقة الخلفية للبيت السعودي. دعت المملكة الى تأليف حلف عربي - اسلامي للتعامل مع الواقع الجديد، كما استعجلت تدخلاً جوياً مباشراً من قبل دول مجلس التعاون الخليجي وبعض الدول العربية. وبالفعل وعلى غير ما اعتاده العالم من سياسات هادئة تعتمدها المملكة فقد جاءت عاصفة الحزم لتؤشر الى قرار المملكة بخوض الحرب الى حين تحقيق انتصار حاسم يعيد الشرعية اليمنية الى ممارسة دورها كاملاً.
يبدو أن مفاعيل العملية العسكرية قد بدأت تعطي ثمارها من خلال قبول الانقلابيين بالدخول في مفاوضات من اجل تنفيذ القرار الدولي 2216 من اجل اعادة الشرعية. وتدخل المنطقة في اعقاب حرب اليمن في مرحلة جديدة، حيث تشكل معسكر عربي بقيادة السعودية، يملك الارادة والتصميم من اجل مواجهة تدخل ايران وحلفائها في شؤون الدول العربية. ويبقى السؤال: هل تتدخل المملكة بصورة مباشرة في احداث سوريا عسكرياً في المستقبل القريب؟
3- التدخل الروسي في سوريا: جاء التدخل الجوي والبحري الروسي في 30 ايلول 2015 مفاجئاً للمجتمعين الاقليمي والدولي. وبالرغم من ادعاءات موسكو بأنها قد جاءت لمحاربة الارهاب فان كل التطورات على الارض تشير الى انها جاءت لتساعد نظام بشار الاسد ومنع سقوطه. اذا لم تنجح الجهود الديبلوماسية الروسية في تحقيق اختراق سياسي في جدار الازمة السورية خصوصاً بعد وضع خارطة الطريق في فيينا، وصدور قرار من مجلس الامن لفتح مفاوضات بين النظام والمعارضة برعاية دولية، فان روسيا ستكون معرضة للغرق في الرمال المتحركة للازمة السورية والخلافة الاسلامية التي انشأها «داعش».
4- قرار مجلس الامن الخاص بسوريا: صدر عن مجلس الامن القرار 2254، والذي يدعو الى فتح مفاوضات بين النظام والمعارضة برعاية الموفد الخاص للامم المتحدة من اجل التوصل الى حل سياسي للازمة السورية. هناك مجموعة من الحواجز والعقبات التي يمكن ان تعرقل المفاوضات او تعطلها وابرزها: اولاً، الاختلاف حول دور ومستقبل الرئيس الأسد في النظام الجديد. وثانياً، الخلاف حول تشكيل وفد المعارضة الى طاولة المفاوضات، وذلك انطلاقاً من تصنيف موضوعي للمنظمات الارهابية التي يجب استبعادها عن المفاوضات، في رأينا فان العملية السياسية لم تنضج بعد وأن الطرفين في النظام والمعارضة يجنحان الى تعطيل المفاوضات من خلال الابقاء على سقف توقعات كل منهما عالياً.
5- الحرب الارهابية الشاملة: رد «داعش» على الحرب التي تشن ضده في العراق وسوريا بسلسلة هجمات ارهابية، وكان اكبرها واخطرها تلك الهجمات التي تعرضت لها باريس. وهذا ما دعا المجتمع الدولي وخصوصاً فرنسا وبعض الدول الاوروبية لتصعيد الحرب ضد «داعش»، ولكن دون ادخال قوى برية غربية الى مسرح العمليات والاتكال على القوى المحلية العراقية والكردية والمعارضة السورية المعتدلة للقيام بذلك. نحن امام حرب طويلة، قد تستغرق ثلاث سنوات على الاقل لاحتواء مخاطر الحرب الارهابية الشاملة التي بدأتها الدولة الاسلامية.
6- ازمة اللاجئين الى اوروبا: خلال عام 2015 وامام انسداد افق الحل في سوريا فقد بدأ مئات الاف اللاجئين السوريين بالبحث عن ملاذ آمن لهم، فوجدوا ذلك في الهجرة الى اوروبا عن طريق البحر او البر. تدفق ما يقارب مليون لاجئ الى مختلف الدول الاوروبية، ويبدو أن موجة اللجوء هذه لم تنته وهي معرضة للتفاقم، خصوصاً في ظل استمرار عملية النزوح من داخل سوريا بسبب عنف القصف الروسي لمختلف المناطق المكتظة بالسكان سواء في الشمال او في المناطق المحيطة بدمشق، يستدعي تفاقم هذه الازمة ان يتعاون المجتمع الدولي وخصوصاً الدول الغربية وروسيا من اجل المساعدة على انجاح المفاوضات بين النظام والمعارضة والتي يجب ان تبدأ مع بداية العام 2016.
ما زالت ازمات المنطقة مفتوحة لتشهد مزيداً من التطورات الدراماتيكية، خصوصاً في ظل التأخر في حسم الاوضاع في العراق وسوريا واليمن وليبيا، مع توقع ان تتجدد التحركات الشعبية في مصر من اجل تحقيق اهداف ثورة يناير، والتي اطاح بها تدخل الجيش المصري من اجل اسقاط حكم الاخوان المسلمين.