إسرائيل ما زالت كياناً طارئاً

إسرائيل ما زالت كياناً طارئاً


كل الظواهر الخارجية للوضع العربي والإقليمي والدولي في السنوات الاخيرة توحي بعكس عنوان هذا المقال. ففلسطين التاريخية واقعة تحت السيطرة الكاملة للكيان الصهيوني، كما لم تكن منذ العام 1948. والوضع العربي الرسمي يبدو في ذروة استسلامه لتلك السيطرة، كما لم يكن في يوم من الايام، من وقع منه اتفاقيات سلام دائم مع الكيان الصهيوني، ومن لم يوقع. والوضع الدولي يبدو بمجمله كما تعبر عنه انظمة الحكم الرسمية في شتى بقاع العالم، لا يحرك اي ساكن في وجه هذه السيطرة، حتى لو من باب تسجيل المواقف الكلامية لا أكثر.


لكن شعب فلسطين، في لحظة بدا فيها وكأنه وقع هو الآخر تحت هذه السيطرة، ينتفض من البحر الى النهر، ومن رفح جنوبا الى الناقورة شمالا، ضاربا عرض الحائط كل ما تم تثبيته بقوة القهر في ارضه التاريخية منذ قرن ونيف ليحمل اسم اسرائيل، ليقول للعالم كله، هذه فلسطين التاريخية، وانا صاحب حقوق تقرير مصيرها، مهما اخترعتم لاغتصاب هذه الحقوق.
من جهة أخرى، فان كل ما في داخل الكيان الصهيوني المنتشي بجبروته وقدرته على اغتصاب الاراضي ومسخ هويتها الاصلية وفرض هوية جديدة عليها، يعيش حالة من الخوف، حيث بات اي تحرك في فلسطين او الجوار العربي او في تخوم الاقليم، يُعتبر تهديدا وجوديا للكيان. تهديد وجودي في الاحداث الكبيرة، عندما تتحرك الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي للتفاهم مع دولة ايران بشأن نشاطها النووي، لابقائه في حدود الاستخدام السلمي للطاقة النووية. وتهديد وجودي، في اصغر الاحداث، اذا ما هب اطفال فلسطين لحمل الحجارة ورشق جنود الاحتلال الصهيوني ومستوطنيه بها، او حمل شاب او شابة فلسطينية سكينا للدفاع عن نفسه وعن شعبه، واستخدامها ضد جندي اسرائيلي او مستوطن.
إن الهبة الفلسطينية الاخيرة التي لم تتجاوز بعد حدود الرشق بالحجارة، والطعن الفردي بالسكاكين، تتفاعل داخل الكيان الصهيوني، حكومة وجيشا ومجتمعا مدنيا، كأنها ذروة الخطر الوجودي الذي يهدد كيان اسرائيل وهي في عز ظهورها وكأنها في ذروة الاستقرار، وفي ذروة الالغاء النهائي والكامل لفلسطين التاريخية ارضا وشعبا.
هل سمعتم بكيان سياسي في العالم، غير الكيان الاسرائيلي، يسن عقوبة لالقاء الحجارة، بالسجن عشرين عاما عند الاعتقال، او باطلاق الرصاص الحي الى حد القتل؟
المجتمع الصهيوني ينقسم على نفسه من شدة الهلع الوجودي، امام راشقي الحجارة والطاعنين بالسكاكين، فينقسم بين فريقين: فريق يرى التصدي لهذا «الخطر الوجودي» بالتحايل والاحتواء خشية من اي يؤدي القمع بالعنف الى مزيد من غليان المجتمع الفلسطيني، وفريق يرى استعمال منتهى الشدة، لفرض الهدوء على هذا المجتمع.
انه مشهد شديد الغرابة المجتمع الدولي (ومعه الانظمة العربية) يقول هذه «إسرائيل» وتوابعها من الاراضي المحتلة، التي يتم تهديدها بمزيد من الزحف الاستيطاني، لكن شعب فلسطين يقول بل هذه فلسطين العربية، سواء ما احتُل منها في العام 1948، او ما استكمل احتلاله في العام 1967.
انها ذروة من ذرى الصراع التاريخي المتواصل، التي تبدو فيها اسرائيل كيانا طارئا برغم كل شيء، بينما تبدو فلسطين الكيان التاريخي الثابت.