أزمة المهاجرين وأزمة الدولة - الأمة

أزمة المهاجرين وأزمة الدولة - الأمة

 تنتشر مخيمات على الحدود الأوروبية. فالقارة الأوروبية تجبه تحدياً حقيقياً: انتشار مخيمات اللاجئين فيها. وفي وسع دولها الاختيار إما الاحتذاء بألمانيا واستقبال الوافدين ومنحهم اللجوء بالتعاون مع المجتمع المدني والجمعيات، وإما ترسيخ أماكن حبسهم/اعتقالهم، ومنها مخيم كاليه على الحدود الفرنسية - البريطانية، وجعلها مستدامة. ويجب تجنب انشاء المخيمات، وعزل اهلها. وفي المتناول توفير سكن للاجئين والمهاجرين، وهذا ما تفعله جمعيات وبلديات في فرنسا.

 


واقتراح استقبال المهاجرين في «نقاط ساخنة»، أي مخيمات تشيد على الحدود الأوروبية، ملتبس. والإجراء الأوروبي الأخير يوجه رسالة حازمة الى من ينوي الهجرة الى اوروبا: ثمة فرز دقيق يرمي الى التمييز بين اللاجئ الفعلي، وهو صاحب الحق في اللجوء، واللاجئ الكاذب. ولا يحمل الإجراء جديداً. فمثل مراكز الفرز هذه تعمل في إيطاليا واليونان. والإجراء لن يفعل غير إسناد هذه المراكز الى إدارة اوروبية تتولاها وكالة «فرونتكس». والالتباس يبقى على حاله.

والسلطات الهنغارية اعلنت انها بادرت الى مثل هذا الفرز نزولاً على طلب أوروبي. ومراكز السكن والاستقبال والتسجيل ومراكز اعتقال طالبي اللجوء هي ما يقصد به بـ «المراكز الساخنة». ولكن يخشى أن يُعامل القادمين من خارج سورية على أنهم «مهاجرون اقتصاديون». ولكن المهاجرين انفسهم يتعثرون في البت في سبب مغادرتهم: أهو داع اقتصادي أم سياسي؟ ويتعذر عليهم تسويغ قرار الهجرة امام هيئة «حماية اللاجئين الفرنسية».

واليوم، المهاجرون من سورية هم «اللاجئون» الذي يستحقون اللجوء. ولكن السوريين يرغبون، في آن، في العيش الآمن والعمل: وهم صاغوا مشروع هجرة لا يستبعد الاندماج الاجتماعي والاقتصادي. وفي الوسع القول إن كل مهاجر اقتصادي ينطوي على لاجئ سياسي. والعكس صحيح: ثمة «لاجئ» في كل مهاجر اقتصادي: ففي بلدهم الأم بلوغ مشروع الحياة الاجتماعية او الاقتصادية الذي يصبون اليه متعذر. ولولا التعذر هذا، لما غادروا وحملوا الرحال. ويقضي نظام دبلن بإعادة المهاجرين الى الدولة الأوروبية الأولى التي بلغوها. وهذه الدول هي البوابة الى اوروبا، ولكنها دول هشة تعجز عن استضافة اعداد كبيرة من اللاجئين. لذا، تطلب الدعم الأوروبي. والدعم هذا هو نواة التضامن بين الدول الأوروبية في استقبال المهاجرين. ولكن هذه الإجراءات الإدارية تعرِّف هويات المهاجرين تعريفاً اعتباطياً، وتصف السوريين بالمهاجرين غير الشرعيين. وتتمسك أوروبا بمفهوم «ممر المنفى»، أي الحدود الثابتة وأماكن «لفظ وعزل» (على حدة من الحياة اليومية والعادية) وحيز لفظ خارج الإقليم. ويصطدم اللاجئون في سفرهم بجدران فعلية وتشريعات معادية تحول دون اندماجهم وتفردهم في المخيمات على الحدود. فيبعدون على الدوام ويبقون في منزلة المبعد. والدراسات الاجتماعية تتناول أكثر فأكثر سكان الما بين (المخيمات، وهي في البلد وخارجه). وفهم هذا الحيز، الما بين، حيوي من اجل فهم الحيز العام أو متن المجتمع.

فهامش المجتمعات يشتمل اكثر فأكثر على اعداد كبيرة من الناس، ويخلق طريقة عيش، دور الحيرة والترجح في اللاقرار راجح فيها. ويعيش أفراد المخيمات في مكان واحد ضمن حدود دولة ولكنهم خارجها. وتمتحن أزمة الهجرة الدولة - الأمة. فهذه لم تعد مسرح حياة الناس.

وصار الأفراد جزءاً من دائرة اقتصادية واجتماعية ودائرة اتصالات أوسع. والدولة هي ركن الشكل السياسي الضروري للاندماج والمواطنة. ولكن ثمة وجهاً جديداً للدولة - الأمة يبرز، وهو يدمج حركة التنقل الجديدة ودوائر الاقتصاد والتواصل في المواطنة. وتؤجج أزمة الدول - الأمم عدد المناطق الرمادية، المخيمات. فالدولة - الأمة اليوم مشرعة امام أبناء اللادول، وهم مهاجرون ومشرّدون لا يضعون الرحال. لذا، تبرز الحاجة الى تعريف جديد للمواطنة. وعجلة العولمة لا تدور في معزل عن حرية التنقل. وكثر من المهاجرين لا يرغبون في الاستقرار في أوروبا ولا ترك بلدهم الى لا نهاية.