أزمة اللاجئين تتفاقم في لحظة تاريخية حرجة: تعارض بين «أوروبا أكثر».. و«أوروبا أقل»

أزمة اللاجئين تتفاقم في لحظة تاريخية حرجة: تعارض بين «أوروبا أكثر».. و«أوروبا أقل»

قدر اللاجئين إلى أوروبا أنهم يحتمون بها في لحظة حرجة جداً من تاريخها. الواضح أن قضيتهم صارت أداة سياسية في صراع أكبر بكثير. صراع حول هوية المشروع الأوروبي، أو قبل ذلك حول مستقبله مرة واحدة. بين من يريد تكتّلا يتجه إلى اتحاد أقوى، وبين المشكككين في المشروع برمته حاملين شعار إعادة القوة للدولة الوطنية.
هذه الخلاصة كانت حاضرة بقوة خلال عرض المفوضية الأوروبية خطتها الجديدة حيال حل مشترك لـ «أزمة تدفق اللاجئين». الخطة المقترحة تحتاج إقرارها من الدول الأوروبية، وتشمل إعادة توزيع 120 ألف لاجئ، يضافون إلى 40 ألفاً تقرر إعادة توزيعهم بين الدول الأوروبية منذ أشهر. التوزيع سيتم وفق نظام الحصص الإلزامية، والدولة التي لا تطبق ذلك عليها دفع غرامة مالية. الهدف هو «التضامن» مع الدول التي تشكل بوابة لأوروبا، خصوصاً إيطاليا واليونان والمجر. وفي مقابل ذلك، فإنّ على هذه الدول أن تقيم مراكز استقبال كبيرة، بمساعدة أوروبية، وأن توقف سياسة «الأبواب المفتوحة» للاجئين الواصلين إليها.


اللحظة حرجة في الصدام المتصاعد بين خصمين أوروبيين. الأول يريد «أوروبا أكثر»، ويضم الأحزاب التقليدية الكبيرة التي تقود دولاً، على رأسها ألمانيا، وتشكل محركاً أساسياً للمشروع الأوروبي. الطرف الثاني يريد «أوروبا أقل» عبر جبهة تضم أحزاب اليمين المتشدد، تلك التي تشهد صعوداً واضحاً في السنوات الأخيرة.
إن كان التوقيت لحسن حظ اللاجئين، أم لسوئه، مسألة نقاشها طويل، ليست أبيض أم أسود. الأكيد أن التعامل مع قضية اللجوء والهجرة هو أحد أكثر الأسلحة استخداماً من قبل اليمين الأوروبي المتشدد بتلوناته. سياستهم الراسخة هي التخويف من اللاجئين والمهاجرين. لأن هؤلاء يريدون «أوروبا أقل»، ويرفضون «التساهل» مع اللاجئين والمهاجرين، يصير دفاع معسكر «اوروبا أكثر» عن قضية اللاجئين جزءاً من دفاعه عن مشروعه السياسي.
القضية صارت مناسبة اشتباك أكيدة، مع زيادة تدفق اللاجئين، لكنَّ حساب المكاسب والخسائر السياسية يحتاج وقتاً ليظهر. اليمين المتشدد يطلق نداءات التخويف من «اجتياح اللاجئين»، فيما يحاول الطرف الآخر جاهداً مواجهة هذه الدعاية.
الترابط الذي وصل حد الانصهار، نظراً لحرارة التصادم الأوروبي، أمر يؤكده أيضاً رئيس لجنة العدل والشؤون الداخلية في البرلمان الأوروبي كلود موريس.
السياسي البريطاني قال خلال حديث لـ «السفير» إن «الحركات الشعبوية مرتبطة جداً بقضايا الهجرة واللجوء... إنها تكسب الأوكسجين والشعبية السياسية عبر التخويف من اللاجئين والمهاجرين، بالقول إنهم يسرقون الوظائف وغير ذلك».
هذا الترابط يجعل برأيه مهمة المفوضية الأوروبية ليست سهلة وهي تحاول إنشاء سياسة موحدة للجوء والهجرة. تصاعد شعبية اليمين المتطرف، ومكاسبه السياسية، يجعل المفوضية تقاتل على جبهتين: «ما دامت قضية الهجرة واللجوء لم تعالج بسياسة موحدة فستبقى الهدف السهل للحركات الشعبوية، وسيستثمرونها بشكل جيد. لكن بالمقابل لا يمكن أن تحصل على سياسة جيدة للهجرة واللجوء بدون استهداف أسباب الشعبوية، لأنهما مترابطتان جداً».
الدفاع بالمنطق، وعدم الصدام مع جمهور اليمين المتطرف، «المتخوّف» من اللاجئين، كانت سياسة رئيس المفوضية جان لكود يونكر. كان يلقي خطاب «حال الاتحاد» أمام البرلمان الأوروبي في استراسبورغ. كلمة طويلة ومشحونة بالعواطف، خصوصاً أن والدة الرجل توفيت قبل يومين ووالده يعاني في المستشفى. عبء ليس سهلاً، لكن يونكر لم يفقد بوصلته السياسية ولا لحظة، حتى حينما غص بالدموع أمام الصحافيين. قال إنه يتفهم أن «البعض متخوف» من تدفق اللاجئين، لكنه ذكَّرهم بالحقائق: أعداد اللاجئين والمهاجرين الذين وفدوا إلى دول الاتحاد الأوروبي لا تشكل سوى نسبة 0.11 في المئة من سكانه الذين يتجاوزون 500 مليون نسمة.
بموازاة ذلك، حاول يونكر الدفاع عن خطته بالتركيز على الجانب الإيجابي في القضية، متحدثاً عن أن التدفق إلى أوروبا يشكل اعترافاً حتمياً «بتفوقها الانساني». قال إن اللاجئين لا يذهبون إلى الصين أو روسيا، وشدّد على أن «أوروبا اليوم جزيرة للأمل للناس في الشرق الأوسط، للهاربين من الحرب والقمع. هذا شيء يجب الافتخار به وليس التخوف منه».
إعادة توزيع 160 ألف لاجئ، من إيطاليا واليونان وهنغاريا، مجرد «بداية». هذا ما قاله لـ «السفير» المفوض الأوروبي للهجرة افرامابولس، قبل أن يلفت إلى أن «الرقم هو مبدئي، ربما علينا زيادته في المستقبل، لكن يمكننا فعل ذلك فقط من اللحظة التي نرى فيها أن كل هذه المشاريع بدأت تأخذ طريقها للتطبيق».
يقصد المفوض الأوروبي باقي نواحي الخطة الجديدة. هناك أيضاً مقترحات لإنشاء مراكز استقبال أكبر للاجئين، بما يمكِّن من فحص طلبات لجوئهم في الدول التي يصلون اليها. يقتضي ذلك إرسال فرق لمساعدة سلطات هذه الدول، كما يحصل الآن مع إيطاليا واليونان. الجزء الآخر يتعلق بإصدار قائمة بـ «الدول الآمنة»، ما يجعل من يأتون منها غير مؤهلين للحصول على اللجوء. المقصود بالدول الآمنة فقط «الدول الأصل». بمعنى، إذا كان هنالك لاجئون سوريون قادمون من تركيا إلى أوروبا فلن يتم اعتبار أنهم قادمون من دولة آمنة، برغم أن تركيا في القائمة ستكون مصنفة على أنها آمنة.
بالترابط مع ذلك، ثمة توجه لإنشاء سياسة ترحيل صارمة لمن لا يتم قبول طلبات لجوئهم. أوضح المسؤولون الأوروبيون أن 40 في المئة فقط من اللاجئين، غير المقبولين، يجري ترحيلهم الآن.
كل هذه المقترحات تحتاج تداولاً طويلاً. ستناقش بعد أيام في اجتماع وزراء الداخلية. جبهة رافضي الحصص الإلزامية تقودها المجر، وتضم دولاً أخرى أبرزها سلوفاكيا والتشيك وبولندا. لكن ما يضغط على هذه الدول أنها لا تستيطع استخدام الفيتو، وتعطيل إقرار «الآلية الطارئة» التي اقترحتها المفوضية. القرار يمكن أن يؤخذ بالأكثرية بالنسبة لهذه المسألة. لكن الأكثر ضغطاً هو أن دولاً عديدة تحتاج هذه السياسة المشتركة، وتدفق اللاجئين لا يمهلها للأخذ والرد الطويلين. هذه المسألة كانت حاضرة لدى يونكر، إذ ذكر الجميع بالأفق الأسود الذي يلف حياة ملايين في بقاع تصدر الأزمة: «يجب ألا تكون لدينا أية أوهام أن أزمة اللاجئين ستنتهي في أي وقت قريب. ما دام هناك حرب في سوريا، وارهاب في ليبيا، فتدفق اللاجئين سيبقى متواصلاً».