فيلم ''لا نعم'' لمحمود الجمني: لا للعنصرية نعم لقبول الآخر (صور+فيديو)

بدا الجمهور التونسي متعطشا لمعرفة قصة الفيلم ''لا نعم'' للمخرج السينمائي محمود الجمني، تعطش ترجمته صفوف المواطنين من جميع الشرائح العمرية أمام شباك التذاكر بقاعة ''البلاص'' بالعاصمة ، لاقتطاع تذكرة العبور، فإمتلأت القاعة بالحضور، وخيّم الصمت والهدوء و التركيز، لاكتشاف خبايا هذا الانتاج الثقافي المميز انطلاقا من عنوانه غير المألوف.

وكان لموقع قناة نسمة لقاء مع مخرج الفيلم محمود الجمني، حيث تحدث عن عمله، داعيا إلى مشاهدته، ليس من أجل الاستمتاع فقط بل لأجل الرسالة التي يحملها في كل مشهد يعرض، والقضية المطروحة والتي أصبحت تلقي بظلالها في العالم أجمع وبالخصوص في تونس.

فقضية العنصرية قديمة متجددة في الذاكرة التونسية، وهو ما أكده المخرج محمود الجمني، معتبرا أن عنوان فيلمه يحمل نوعا من التضاد والتقابل من خلال كلمتي ''لا نعم''، وهو ما يعكس التناقض في المجتمع و علاقته بالعنصرية،فظاهريا يقر بعدم عنصريته وقبول الأخر مهما كان لونه (أبيض البشرة أو أسود) ولكن باطنيا هو غير معترف به وعنصري تجاهه فقط لأنه مختلف عنه في لون البشرة.

التونسي والعنصرية

وتعتبر العنصرية في المجتمعات ظاهرة قديمة من عهد الاحرار والعبيد، ولكن تجلت في المجتمعات العصرية بطريقة جديدة، واكتسبت بعد آخر، نلامس جوانبه يوميا، فالشخص أسود البشر يعتبر ''منبوذا'' ومرفوضا من قبل الشخص أبيض البشرة، وحقيقة كونه عبدا له وخادما، مزالت متجذرة ومستقرة في عقول بعض الأشخاص، وليس من السهل القضاء عليها.

وانطلاقا من الفيلم وأحداثه التي تمتد على طول 83 دقيقة، يحاول المخرج محمود الجمني ايصال تجارب سود البشرة، جسدتهم شخصيات حقيقية تعاني من نفس المعضلة، في المجتمع التونسي، فكل ممثل روى تجربته بكل ألم وحسرة ومرارة، ليس لكونه أسود البشرة بل لأن المجتمع يعامله بطريقة عنصرية ويجعل منه ''أضحوكة للأخرين''، ولا يقبل التعامل معه بسهولة، ويحذر من الاقتراب منه، دون وجه حق او مبرر مقتع فقط لأنه يختلف عنه في لون البشرة.

تجارب لخصها فيلم ''لا نعم'' في مدة قصيرة وحاول ايصالها إلى أكبر عدد ممكن من التونسيين والعالم، للوقوف صفا واحدا ضدّ العنصرية، خاصة وأن تونس كانت كما عادتها سباقة في إلغاء  الرق والعبودية، وكان ذلك سنة 1846، حيث كانت تونس أول بلد مسلم يمنع الرق على أرضها.

تونس أول بلدان العالم التي ألغت الرق والعبودية

وصدر أمر مكتوب لأحمد باي في 23 جانفي 1846، يقضي بعتق جميع العبيد في البلاد،وإبطال العبودية نهائيا،و كانت الجمهورية التونسية من أوائل البلدان في العالم،التي اتخذت قرارإبطال العبودية والاتجاربالبشر، وبقي هذا القانون حبرا على ورق،مازالت تجد طريقا لها إلى اليوم، رغم عديد المحاولات لمناهضتها والاعتراف بالأخر.

وبخصوص الفكرة التي خامرت المخرج محمود الجمني لانتاج فيلمه ''لا نعم'' قال إنها بدأت بالصدفة وانطلق تصويرها يوم 31 أكتوبر 2018، ليكون نفس التاريخ من سنة 2019،( الخميس 31 أكتوبر 2019) الفرصة الأولى لاخراج الفيلم لقاعات السينما وتقديمه للجمهورالتونسي ومن ثمة العمل على عرضه في قاعات السينما بالجهات، وأيضا ايصاله لأكبر عدد من التونسين في مختلف المناطق لتعم الفائدة وتكون محاربة العنصرية أنجع وأشمل، حسب تعبير الجمني.

ولم يكن اختيار فعاليات الدورة الـ30 لأيام قرطاج السينمائية لعرض الفيلم، اختيارا اعتباطيا من قبل المخرج، حيث فسر أن ذلك بأن أيام المهرجان تحمل أكثر من دلالة، فهو أول مهرجان عربي افريقي ويستمد اشعاعه من الجمهور، كما ان دورة 2019، هي ''دورة صديق الجميع المرحوم نجيب عياد الذي أعطى كثيرا للسينما التونسية ''.

وشدد المخرج على أن الفيلم متوجه للجميع وخاصة أبناء وزارتي التربية والتعليم العالي، لأن الاصلاح وتغيير العقلية حسب تقديره، ينطلق منهما.

قد يكون أسود البشر شخص مختلف عن غيره ولكن يبقى في نهاية المطاف بشر له خصوصياته ومميزاته وسلبياته وايجابياته، ومن الممكن التعايش معه وقبوله والاندماج معه والتعلم منه كذلك، وله نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات ويتمتع بحريته وليس من حق الآخر رفضه أو إقصائه أوالاستنقاص من شأنه، فثقافة العنصرية طريقها مسدود،ولا مبررلانتشارها في المجتمعات، وسيكون قبول الآخر بديل عنها. 

 

أحلام التمراوي