"انتصاب فوضوي"، كوميديا سوداء حول فشل النخبة السياسية ...

"انتصاب فوضوي"، كوميديا سوداء حول فشل النخبة السياسية ...

قدم المخرج المسرحي الشاب محمد السايح العويشاوي، مساء الجمعة، 18 مارس 2016، العرض الأول لعمله الجديد "انتصاب فوضوي"، وذلك في إطار تظاهرة "قيروان المسرح" التي ينظمها مركز الفنون الدرامية والركحية بالقيروان من 14 إلى 19 مارس الجاري بقاعة "الريو" بالعاصمة.


وشارك في تجسيد أحداث مسرحية "انتصاب فوضوي" كل من يسر عياد ونور الدين مهذب وماهر محمد المحظي، واقتبست كتابتها عن نص "المهاجران" للكاتب البولوني "سلافومير مروجاك"، وقدمت برؤية كوميدية سوداء وبأسلوب إيحائي رمزي، فشل النخبة السياسية في صياغة مشروع واضح يلبي تطلعات المواطنين وآمالهم في حياة أفضل. وينبني العمل على ثنائية التناظر العمودي (أعلى وأسفل) من خلال الفضاء الذي تدور فيه أحداث المسرحية، وهوعبارة عن قبو في عمارة، حيث تعيش شخصيتان متناقضتان الأولى مثقفة والثانية بسيطة تشتغل بحضيرة بناء.

تصور المسرحية بأسلوب كاريكاتوري أحيانا "حالة الفوضى التي تتخبط فيها البلاد بعد الثورة" مقابل عجز النخبة السياسية في إدارة شؤون العامة، كما لم تغفل المسرحية في بعض جوانبها عن العلاقة القائمة بين التونسيين أنفسهم، فصورتها على أنها علاقة تتأرجح بين الانفصال والاتصال نتيجة مصالح سياسية ضيقة لا ترضي الطرفان. تبلغ الأحداث في "انتصاب فوضوي" ذروتها لتعمق الهوة بين الطبقة الكادحة (طبقة القبو) والطبقة السياسية والبرجوازية (طوابق العمارة العامرة بالسكان) حيث تنبض الطبقة العليا بالحياة مقابل اتساع رقعة الفقر والظلام بالقبو.

ويحذر مخرج هذا العمل محمد السايح العويشاوي في هذا الصدد، مما وصفه بخطورة هذا التباعد بين السياسي والعامة واتساع الفوارق الاجتماعية وغياب العدالة والتنمية. ويكشف الحوار المسرحي الدائر بين الممثلين ماهر محمد محظي ونور الدين مهذب، سذاجة الطبقة العامة ومثاليتها التي انساقت وراء التأمل والتفكير في لحظات الفعل والتغيير الحركي، بينما تغرد النخبة السياسية بمختلف توجهاتها الفكرية خارج السرب ولا تفكر إلا في تحقيق مكاسب سياسية فقط. وتشخص المسرحية في أحداثها انهيار النخبة المثقفة وانكسارها وسقوطها في الرداءة والمجون والاستهتار والعبث، لينهشها الفقر والبؤس وتدغدغها البطالة وخيبة الأمل.

مسرحية "انتصاب فوضوي" هي ثورة على زمن الشعارات والبيانات والخطب البلاغية في واقع غابت عنه عناصر الفعل والحركة والتغيير، وقد اختار المخرج "الكوميديا السوداء" أسلوبا في معالجة هذه القضايا إيمانا منه كما يقول " في التجديد المسرحي والمصالحة مع الجمهور".