مندى الأكاديمية السياسية يضع قانون المصالحة على محك الجدل

مندى الأكاديمية السياسية يضع قانون المصالحة على محك الجدل

نظّم "منتدى الأكاديمية السياسية" بالشراكة مع "كونراد أديناور شتيفتونغ"، يوما دراسيا تحت عنوان "في المصالحة الوطنيّة" وذلك يوم السبت 5 سبتمبر بضاحية قمر على الساعة التاسعة صباحا. وقد ضمت برمجة الندوة مجموعة من المداخلات لمختصين في القانون والعلوم الاجتماعية من بينهم عبد الرزاق الهيري، الأستاذ بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله (فاس-المغرب)، الذّي شارك في الحصّة الصباحية بمداخلة عنونها بـ"لجان الحقيقة والمصالحة: نتائج التجربة المغاربية" والتي قدّم خلالها نبذة عن التجربة المغربية في مجال " المصالحة الوطنية" شارحا عمل اللجان المحدثة وتفرعات عملها مشيرا إلى أن المصالحة لا تتم فقط بمجرّد خلق المؤسسات بل بتفعيل عملها وخلق الثقة الشعبية في هذه المؤسسات.


كما شارك أيضا في هذا النقاش الأستاذ عبد الرحمن خلف، أستاذ حقوق الإنسان بجامعة الأمير عبد القادر (قسنطينة-الجزائر) معنونا مداخلته بـ"المصالحة الوطنية: تجربة الجزائر" الذي قدّم خلالها نبذة عن التجربة الجزائريّة مركزا على الآثار الاجتماعية لعملية المصالحة وعلى التفاصيل التي تم أخذها في الحسبان خصوصا في التعامل مع شريحة معقّدة انخرطت في وقت من الأوقات ضمن تيارات إرهابية إجرامية خلال العشرية السوداء في الجزائر.

أمّا المداخلة الثالثة خلال الحصّة الصباحية فقد كانت من نصيب الأستاذ لطفي دمق المستشار القانوني لرئيس الجمهورية التونسية والذي عنون مداخلته بـ"مشروع قانون المصالحة الاقتصادية: التزام بتطبيق منظومة العدالة الانتقالية ودفع للاقتصاد." والذي قدّم خلالها نبذة عن قانون المصالحة الاقتصادية. وأكّد أن مسار العدالة الانتقالية لم ينطلق مع قانون العدالة الانتقالية المصادق عليه من قبل المجلس التأسيسي بل انطلق مع لجنة الأستاذ عبد الفتاح العمر وما بذلته الدولة من أجل إرجاع الأموال المنهوبة ولكن هذه الخطوات لم تؤتي أكلها، لذلك تقدّم رئيس الجمهورية بشروع المصالحة الاقتصادية، الذي يتمحور حول تجاوز الانتهاكات المالية والاقتصادية المتعلقة بالمال العام وهو ما يعتبر خصوصية تونسية بخلاف تجارب المصالحة الأخرى.

كما اشار دمّق إلى أن هذه المصالحة تساهم في جبر الضرر ورد الاعتبار للإدارة التونسية وخلق مجال مثالي للأعمال، كما أكّد أن هذا المسار مفصول عن منظومة العدالة الانتقالية المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان والتي ستختص بها هيئة الحقيقة والكرامة، مشيرا إلى أن الأموال التي سيتم استرجاعها ستوجه نحو تنمية الجهات.

بعد مداخلة الأستاذ لطفي دمق فتح الباب أمام الخضور للنقاش والذي لم يكن أقل ثراء من المحاضرات حيث تدخل العديد من المتابعين والمهتمين بشأن المصالحة لتثمين هذا القانون أو لنقده ولعل أبرز المداخلات كانت للأستاذ أحمد صواب والذي أشار إلى أنه هناك وفاق حول وجوب التسريع في القيام بالمصالحة. لكن هذا الاتفاق لا ينفي وجوب النقاش حول القانون وخصوصا حول الصياغة والآليات، متسائلا عن قدرة النص على أخذ جميع جوانب المصالحة الاقتصادية في عشر فصول، كما أشار إلى غياب دراسة حول الجدوى والأسباب، بالإضافة إلى تعريجه على عديد الإشكالات القانونية التي تعترض هذا القانون وخصوصا في نطاق تساوقه مع بنود الدستور، ليحيل بذلك الكلمة إلى الأستاذ جوهر بن مبارك، أستاذ القانون الدستوري بالجامعة التونسية ورئيس شبكة "دستورنا"، الذي عنون تدخله في الفصل الثاني من اليوم الدراسي بـ"مشروع قانون المصالحة الوطنية: نهاية (أم إجهاض) العدالة الانتقالية؟" وقد ركز بن بمبارك على الخروقات الدستورية لهذا القانون وعلى تعارضه مع قانون العدالة الانتقالية ودور هيئة الحقيقة والكرامة التي يعتبرها هيئة محمية دستوريا، كما عرّج على الجدوى السياسي والاقتصادي لهذا القانون مستنكرا التعامل العنيف للدولة مع الرافضين له والذين اختاروا، طبقا لما يضمنه لهم الدستور، وسيلة التظاهر والتعبير السلمي في الشارع عن رفضهم لهذا القانون.

في الرد على جوهر بن مبارك، حظر الاستاذ معز الجودي، رئيس الجمعية التونسية للحوكمة والذي عنون مداخلته بـ" المصالحة الاقتصادية والوطنية: التحديات والقضايا.". الجودي لم ينفي النقائص التي تشوب هذا القانون من الناحية التقنية لكنه اعتبره ضرورة للخروج للبلاد من نفق الانكماش الاقتصادي وفتح الباب أمام توفير مناخ استثمار يعيد الثقة لرجال الأعمال بالداخل والخارج ويرفع يد التي مازالت تكبل أجهزة الدّولة من أجل توفير تدخلات اقتصادية أكثر نجاعة وفاعلية. كما أضاف الجودي أن التعبير عن رفض هذا القانون وتجاوز نقائص يكون بتفعيل الحوار داخل قبة مجلس نواب الشعب وليس بالنزول إلى الشارع.  

النقاش الذي تلا المداخلتين كان حادا وثريا، إلى درجة أن المنظمين اضطروا إلى تجاوز الوقت المبرمج للندوة وقد تضاربت الآراء بين مساند للقانون ومطالبين بتعديلات وبين رافضين للقانون بشكل جذري معتبرين إياه إجهاضا لمسيرة العدالة الانتقالية وتبييضا للفساد. لكن تتمثل أهم نقطة إيجابية لهذا اللقاء في أن المنتدى نجح بشكل جلي فيما فشل فيه المبادرون بمشروع القانون وهو خلق إطار للحوار داخل الفضاء العام يشارك فيه المختصّون القانونيون والاقتصاديون والاجتماعيون جنبا إلى جنب مع المواطنين المهتمين بالشأن السياسي للبلاد.