طارق الشريف :المصالحة الاقتصادية والمالية قادرة على إنعاش الاقتصاد ولكن وفق هذه الشروط...

طارق الشريف :المصالحة الاقتصادية والمالية قادرة على إنعاش الاقتصاد ولكن وفق هذه الشروط...

تعيش تونس مؤخرا وضعا اقتصاديا متأزما أثر على أغلب القطاعات الإنتاجية وأبرزها القطاع الفلاحي والقطاع السياحي خصوصا بعد الهجمة الإرهابية الأخيرة على مدينة سوسة.  وفي خضم هذا الجدل طرحت عديد التصورات لتجاوز هذه الأزمة وتساءل الكثيرون عن دور المجتمع المدني في بلورة حلول جدية تساعد تونس على تجاوز هذه الحقبة الحرجة. في هذا السياق التقى موقع نسمة السيد طــــــــارق الشريف رئــيس كونفدرالية المؤسســـات المواطنة الـــتونسية وكان لنا معه الحوار الآتي:  


 

كانت لكم في الفترة الاخيرة لقاءات مع الرؤساء الثلاث،ماهي قراءتكم لهذه اللقاءات ؟

صحيح كانت لي قبل العملية الارهابية الغادرة بسوسة وبعدها لقاءات مع الرؤساء الثلاث ومع العديد من الوزراء المهتمين خاصة بالشأن الاقتصادي والمالي وكان الهدف الاساسي من هذه اللقاءات يرمي الى اطلاع اصحاب القرارات على حقيقة الوضع الاقتصادي الخطير الذي تعيشه البلاد والى التراجع المتواصل لأغلب المؤشرات الاقتصادية والمالية خاصة منها المتعلقة بنسب النمو والاستثمار والتصدير والموازنات الخارجية العامة والى تقلبات المناخ الاجتماعي والحدّة التي بلغها في العديد من القطاعات والتي ادت الى شلل يكاد يكون كاملا في مجالات استراتيجية على غرار الفسفاط والتعليم والى التأثيرات العميقة للعمليات الارهابية الاخيرة بباردو و سوسة والتي تجاوزت القطاع السياحي لتشمل أغلب الانشطة المتصلة بهذا القطاع على غرار وكالات الاسفار والصناعات التقليدية ولكن كذلك القطاع الفلاحي وأنشطة النقل والتجارة والخدمات والمطاعم والثقافة والتنشيط.

          ولقد سعيت إلى تحسيس كبار المسؤولين عن القرار على الانعكاسات السلبية لكل هذه العوامل على صورة تونس لدى المستثمرين والشركاء الاجانب وجاذبيتها التي اهتزت بصفة كبيرة نتيجة خاصة للعوامل الامنية والإرهاب وكذلك المناخ الاجتماعي الحاد وغياب الاجراءات والإصلاحات الجريئة مما كان له الاثر المباشر على عزوف مستثمرين عديدين على الانتصاب بتونس وغلق مئات المؤسسات وخسارة الالاف من مواطن الشغل.

          كذلك اكدت خلال هذه اللقاءات على التغييرات العميقة التي عرفها المشهد الاقتصادي والجمعياتي والنقابي بالبلاد الذي أصبح يتصف بالتنوع والتعددية ويمتاز بالثراء والمبادرة والإرادة في المساهمة بالنهوض بالبلاد وتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة. لذا فان تغيير المنهجية التقليدية المتبعة الى حد الان وتشريك كافة الاطراف والمنظمات المعنية وتجنيد جميع الطاقات والقطع مع عقلية المواجهة والتجاذبات هو التمشي الوحيد الذي سيمكننا من الخروج من الوضع الصعب والدقيق الذي نعيشه على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.

        ولقد لمست من خلال هذه اللقاءات تجاوبا كاملا من الرؤساء الثلاث ومن الوزراء المعنيين وإرادة قوية للتغيير نأمل في ان تتجسم في القريب العاجل بقرارات وإصلاحات جريئة وملائمة.

 

ماهو تقييمكم للوضع الاقتصادي الحالي ؟
 

انا رجال اعمال ورئيس منظمات اصحاب مؤسسات ومسؤول وواقعي وصريح.

ولقد حرصت على عدم الزج بالمؤسسات في التجاذبات السياسية والحسابات الفئوية والمصالح الضيقة بما اني اعيش واقع المؤسسة الاقتصادية في تونس وفي الخارج على مستوى عالمي ومطلع على عدد كبير من التجارب ومدافع عن ضرورة مساعدة المؤسسة على مواجهة التحديات التنافسية وان المعركة الواقعية اليوم ليست بين الاطراف الداخلية في المؤسسة بل بين كافة هذه الاطراف من جهة والمزاحمة والمنافسة الخارجية الشرسة لعديد المؤسسات والأطراف من جهة اخرى.

ولقد ناديت منذ بعث الكونفدرالية في نهاية سنة 2011 الى ضرورة الاهتمام بالملف الاقتصادي وايلائه الاولوية على غرار الملف السياسي اعتبارا لارتباطه الوثيق بالانتظارات الحقيقية والمتأكدة للمواطنين وتطلعاتهم المشروعة في التنمية وتحسين ظروف عيشهم إلا ان الحكومات المتتالية لم تحرك ساكنا وكذلك تخلي اطراف اخرى على مهامها الاصلية والأساسية للدخول في متاهات التجاذبات والمزايدات السياسية والفئوية.

فالوضع الاقتصادي الخطير الذي نعيشه اليوم وانزلاق البلاد في منعرج التراجع في اغلب المجالات لا يمثل مفاجأة بالنسبة لأهل الاختصاص بل هو نتيجة حتمية لتراكمات تواصلت لمدة خمس سنوات كاملة.

وبالتردد وأرجاء الاصلاحات العميقة وتفادي القرارات الجريئة في مجالات اساسية كالاستثمار والتمويل والجناية والتصدير وتحسين النواحي اللوجستية ومحاربة الاقتصاد الموازي والتهريب وعدم التوافق حول تهدئة اجتماعية على المدى الطويل ساهمنا في ارساء عوامل الازمة الاقتصادية التي نعرفها الان. فالأزمة لم تفرض علينا بل اكاد اقول اننا ساهمنا في ارسائها بغياب القرارات والإجراءات.

 

ماهي اهم الحلول التي تقترحونها ؟

 

اقول وأؤكد مرة اخرى اننا قادرون على تجاوز هذا الوضع الخطير والذي يمكن ان يتطور ليصبح كارثيا في غياب التحرك السريع والناجع فامرنا بين ايدينا وليس لنا من خيار سوى التحرك او تعميق الازمة والدخول في متاهات عرفتها بلدان اخرى منها التي كانت تعتبر متقدمة يصعب الخروج منها وتكون انعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية وكذلك السيادية ثقيلة لا يقبلها التونسيون الذين يصبون الى الحرية والكرامة.لذا لابد من تدعيم الامن والتعامل مع ظاهرة الارهاب كعامل خطير يهدد جميع بلدان العالم يجب مواجهته بالحرفية وبالوسائل الملائمة.

كذلك يجب ان نتحلى بالواقعية وان لا نغفل عن حقيقة اساسية وان الاستثمار سواء المحلي او الاجنبي لا يمكن يستعيد نشاطه في بلد يتسم فيه المناخ الاجتماعي بالحدة وبالتقلبات وبالتجاذبات.

وبالإضافة الى هذين العاملين الاساسيين لابد من اقرار الاصلاحات العميقة المطلوبة بالجرأة والسرعة الضروريتين وهذه الاصلاحات معروفة من الجميع وتم الاعلان عنها منذ 2012 دون نتائج تذكر.

كما ان تحقيق المصالحة العامة يمكن ان يعطي دفعا هاما للمبادرة وانتعاش الاقتصاد شريطة ان تضمن هذه المصالحة حقوق المجموعة الوطنية في استرجاع جميع الاموال والمكتسبات المستولى عليها وان تشمل لا فقط من استولى عن المال العام بل كذلك المؤسسات التي صمدت في المرحلة الانتقالية التي تعيشها البلاد وفي مواجهة المزاحمة اللاشرعية والتهريب والتراجع الاقتصادي لتجد نفسها اليوم عاجزة عن الايفاء بالتزاماتها لدى البنوك والجباية والصناديق الاجتماعية. وبهذا فان المصالحة يجب ان تشمل جميع هذه الفئات وكذلك الافراد حتى يتصرف كل التونسيين للمبادرة والعمل الجاد و المثمر.

 

مفهوم المؤسسة المواطنة مفهوم حديث في تونس ماذا يعني وماهي درجة فعله واقعيا ؟

 

كل ما تقدمت به من مواقف ومقترحات يدخل في اطار مفهوم المؤسسة المواطنة الواعية لا فقط بمسؤوليتها الاقتصادية بل وكذلك الاجتماعية والمجتمعية.

فما حدث في تونس سنة 2011 تعبير صادق وتلقائي على نضج شعبنا وحقه في الحرية والعيش الكريم وان المسؤولية مشتركة او لا تكون كذلك التنمية والحق في العمل وفي الحياة الكريمة.

فلا مجال اليوم لان تقبل بجهات متقدمة وأخرى محرومة وتونسيون يعيشون في مستوى بعض الدول المتقدمة وآخرون يفتقدون لفرص العمل والنظر الى المستقبل بالتفاؤل المشروع.

وما لاحظته شخصيا من خلال تنقلاتي في جميع جهات الجمهورية وكذلك من خلال عديد برامج المساعدة على بعث المشاريع وتطويرها ان كل جهات الجمهورية تزخر بالإمكانيات والطاقات وفرص الاستثمار التي تمثل العائق الاكبر حتى بالنسبة للبلدان المتقدمة.

يبقى انه من واجبنا الاخذ بيد ابنائنا من اصحاب افكار المشاريع ومساعدتهم على تحقيق حلمهم والاندماج في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والمساهمة في تنمية جهاتهم.

كذلك لا بد من تفادي الزج بالمؤسسات في التجاذبات مهما كان نوعها وتوفير الظروف الملائمة لها لمساعدتها على مواجهة المنافسة وهو ما تسعى اليه "كونكت"

كمنظمة مؤسسات مواطنة تنادي بالتنمية الشاملة والمستدامة والعادلة وتعتبر ان خروج تونس من الوضعية التي تعيشها لا تتم إلا عن طريق المبادرة الخاصة وتطوير الشراكة بين القطاع العام والخاص وتشريك الجميع في التصور والانجاز وتفادي المواجهات العقيمة والتهميش والإقصاء

 

هناك انطباع لدى المتابعين ان "كونكت" لم تقم لحد الان بالدور المنتظر منها، ما هو رأيكم ؟

 

من الملفت للانتباه والغريب ان بعث حزب سياسي في تونس اليوم يعتبر أسهل بكثير من بعث منظمة مهنية جديدة خاصة بأصحاب الاعمال او بالشغالين لئن تطور الوضع السياسي بتونس بسرعة فائقة وأصبح تكوين الاحزاب السياسية لا يثير أي أشكال والتعددية واقعا ملموسا يميز المشهد السياسي بالبلاد فان ما يلفت الانتباه ان التعددية النقابية في البلاد التي كرسها دستورها الجديد ومجلة الشغل ومثلت خيارا اساسيا للشعب التونسي مازالت تلاقي صعوبات وعراقيل متعددة ناتجة عن عدم تأقلم بعض الاطراف مع الوضع الجديد للبلاد وحنينها الذي يتصف بالاحتكار والانفراد بالرأي والذي تجاوزته الاحداث ورفضه التونسيون.ورغم هذه العراقيل فان كونفدرالية المؤسسات المواطنة التونسية تمكنت في ظرف وجيز لا يتعدى الثلاث سنوات من التوقع كطرف اجتماعي هام وشريك محوري في عملية بعث المشاريع ومساندة الباعثين خاصة في المناطق الداخلية من خلال العديد من البرامج.

كما ان الكونفدرالية كانت الاولى التي نادت منذ بداية سنة 2012 ال ى ضرورة الاهتمام بالملف الاقتصادي وتشجيع بعث المؤسسات وادخال الاصلاحات العميقة بالجرأة الضرورية في حين ان العديد من الاطراف الاخرى وقعت هذه المواضيع في درجة ثانية وحتى ثالثة من اهتماماتها. كما ان الكونفدرالية بادرت بإنجاز دراسات هامة تعلقت خاصة بميناء رادس وتمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة وما انفكت الكونفدرالية تنادي بالإصلاحات والتهدئة الاجتماعية ورسملة البنوك والمصالحة والتحرك السريع ولو لاقت هذه النداءات اذان صاغية لكنا تفادينا الوضع الاقتصادي الاخير الذي نعيشه اليوم.

والكونفدرالية حرصت على تفادي الخلط بين السياسة والاقتصاد خاصة في ظل حرية تكوين الاحزاب وحافظت على استقلاليتها مع التأسيس لحوار مسؤول حول مشاغل التنمية مع اغلب الاحزاب والمنظمات المهنية ومكونات المجتمع المدني.

 كما ان الكونفدرالية عملت على تفادي الاساليب القديمة المبنية على المواجهة والضغوطات والمزايدات لتبني تمشي عصري وجديد يرتكز على الحوار المسؤول والشراكة والاحترام المتبادل والعدالة.

و بهذا تمكنت كونكت من تكوين علاقات تعاون وشراكة مع الرؤساء الثلاث واغلب الوزارات والأطراف المعنية وهي عازمة على مواصلة العمل لتحقيق الاضافة واستجابة لتطلعات اصحاب المؤسسات وانتظارات الجهات والتونسيين جميعا في مجالات التقدم والكرامة.