الوزير السابق عبيد البريكي يتحدث عن الفساد..الحكومة.. قانون المصالحة..وحلول الأزمة

الوزير السابق عبيد البريكي يتحدث عن الفساد..الحكومة.. قانون المصالحة..وحلول الأزمة

أكد الوزير السابق عبيد البريكي، ''غياب الإرادة السياسيّة الحقيقيّة لمحاربة الفساد في تونس مقابل عدم تجاوب الحكومة مع ملفّات عديدة تستنزف موارد الدولة''، مقدما حلولا كفيلة بتجاوز الأزمة الحادة التي تمر بها البلاد خصوصا بعد تصنيفات الاتحاد الأوروبي وتفشي شبكات التهريب.


كما تحدث عبيد البريكي الوزير السابق للوظيفة العموميّة والحوكمة ورئيس حزب "اليسار التونسي الموسّع"، عن عديد الملفات العالقة.

تونس بين الشفافية والفساد

وقال البريكي، في حوار أجراه مع وكالة تونس إفريقيا للأنباء، إنه ''لا يمكن تقييم التصنيف الأخير لمنظمة "الشفافية الدولية" إيجابا حتّى وإن كانت البلاد تقدّمت بنقطة ضمن هذا الترتيب مقارنة بالسنة الماضية (41 نقطة/100 في 2016، مقابل 42 نقطة/100 في 2017)، فلا يعكس التقدم بنقطة شيئا، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الأولويّة التي أعلنتها حكومة الوحدة الوطنيّة ووثيقة قرطاج، وهي محاربة الفساد بدرجة أولى، فتقدم تونس بنقطة فقط في نظري بسبب القوانين التّي تمّ سنّها أخيرا والمتعلّقة بحقّ النفاذ إلى المعلومة وبقانون حماية المبلّغين وإن لم يتمّ تفعيل القانون الثاني ولم يتم حماية المبلّغين فعليا بل أن الكثير منهم يواجه اليوم مشاكل عديدة بسبب الكشف عن ملفات فساد''، وفق تعبيره.

واعتبر المتحدث، التصنيف، خيبة، أسبابها عديدة على غرار ''قانون المصالحة، الذي كان من الأسباب الأساسية، التّي عطلت تقدّم تونس في التصنيف من جهة ووضعتها على لائحة القائمة الأوروبية السوداء للملاذات الضريبية من جهة أخرى''، بالإضافة، إلى ''قانون آخر يتعلّق بمكافحة الإثراء غير المشروع لأنّه لا يمكن أن نتصالح مع فرد ليست لنا آليات لمحاسبته لأنّ المصالحة تأتي عادة بعد المحاسبة، إذ لا يمكن للقضاء وحده القيام بمهمّة المحاسبة لأنه مكبّل، اليوم، بعديد القضايا وكان من المفروض أن نسهّل مهمّته عبر المصادقة على قانون مكافحة الإثراء غير المشروع..هذا القانون كان بالإمكان أن يساعد على جرد ممتلكات الأشخاص المعنيّين وبالتالي طرح السؤال "من أين لك هذا؟ وعلى أساسه تتمّ المحاسبة وبعدها المصالحة''، حسب تقديره.

وقال ''إننا نعيش في مجتمع يحتاج فعلا إلى التصالح ولكن لابد أن يكون ذلك على قاعدة المحاسبة أوّلا، ولقد أعطت تونس، بقانون المصالحة، إشارة سيّئة الى الأوساط الدوليّة ووكالات التصنيف، التي تتابع الوضع في البلاد ولابد أن تكون على علم بأن المجتمع المدني والكثير من الاحزاب قد طعنت في هذا القانون واعتبرته تبييضا للفساد وبالتالي لسائل أن يسأل لماذا الاصرار على تمريره؟''.

حذف وزارة الوظيفة العمومية والحوكمة

وانتقد البريكي، حذف وزارة الوظيفة العمومية والحوكمة، معتبرا أن ذلك '' رسالة أخرى سيّئة تضاف إلى الرسالة الأولى ولا تعكس إرادة سياسية حقيقيّة لمكافحة الفساد''.

متابعا: ''انحصرت مكافحة الفساد، بالنسبة للحكومة، في إيقاف مجموعة أشخاص وهذه المجموعة، حتى الآن، لم يكن البحث بشأنها بالوضوح اللاّزم ولم تقدّم معطيات لعموم الشعب حول الأسباب الحقيقيّة لإيقافها. لابد من إعادة النظر في التشريعات ولا بد أن تراجع الصفقات العمومية، التي كانت مدخلا للفساد، كما تمّت مراجعة قوانين الاستثمار، التّي تشجّع على الرشوة بشكل أو بأخر وكذلك مسألة تعيين الرؤساء المديرين العامّين على رأس المؤسسات العموميّة.(...) ولهذا السبب لمّا خطى الشاهد خطواته الأولى لمكافحة الفساد واجه صعوبات ومشاكل كبيرة ولم يتردّد فقط وإنما متلكئا في تطبيق الإجراءات، وأعتقد أننا لن نتقدّم كثيرا في مكافحة الفساد ما لم تستهدف الحرب أموال المهرّبين والفاسدين و"المرتزقين من الديوانة" وأموال الاقتصاد الموازي''.

أسباب الخلاف مع الحكومة

كما اعتبر الوزير السابق أن 6 أشهر على رأس وزارة الوظيفة العمومية لا تكفي لتنفيذ اصلاحات أو ضبط برنامج لها، قائلا:'' قمنا في تلك الفترة بضبط برنامج اصلاحي وطرحناه وحددنا اجالا لتنفيذه، وسعينا من خلال طرحنا أن نؤسس لإدارة أكثر فاعليّة وقدّمنا فكرة الوظيفة العموميّة العليا وكيف يمكن للكفاءات العليا أن تلعب دورا في الفترة الحالية، كما طرحنا فكرة اصلاح واقع السيارات الادارية والبنزين كان المقترح وقتها أن يشتري كل مدير سيّارته الخاصّة وتعويض الامتيازات بمنحة يتمّ الإتفاق بشأنها مع النقابات والمديرين العامّين''.

وأضاف: ''طرحنا أيضا فكرة تقريب الخدمات من المواطن، كما إقترحنا في هذا الإطار تركيز "دور للخدمات" وهي عبارة عن مناطق تكون فيها مكاتب لشركة الكهرباء والبريد وشركة توزيع المياه ومكتب صندوق الخدمات الاجتماعية والحيطة الاجتماعية لضمان العيش الكريم للمتقاعدين، الذين يضطرّون للتنقل في ظروف سيّئة للحصول على منحة التقاعد ويفقدون جزء منها كمصاريف تنقّل، وطرحنا في مجال الحوكمة برنامجا ذي إتّجاهين''.


وفسّر البريكي، ''الإتّجاه الأوّل الوظيفة العموميّة، التي أصبحت تشكّل عبئا على ميزانيّة الدولة نتيجة سياسات سابقة وانتدابات عشوائيّة ضاعفت عدد الموظّفين، وكان من بين مقترحاتنا عرض فكرة التقاعد المبكر والتقاعد الاختياري والخاضع إلى مفاوضات، وقد بدأت الحكومة في تطبيق هذا البرنامج لحسن الحظ.. أما الإتّجاه الثاني فيتلعق بالحوكمة، أردنا من خلاله معالجة مسألة المؤسّسات العموميّة، وفق مبدأ حوكمة المؤسّسات قبل طرحها للخوصصة حتّى نضمن إذا تمّ طرحها للبيع أرباحا مجزية''.


وبرّر المتحدث، أطروحاته على الحكومة بقوله ''لقد أردنا من خلال هذا الطرح أن لا نكون خاضعين لإملاء صندوق النقد الدولي ولا نصبح مجرّد مطبقين لتوصياته، لابد أن تتم مفاوضاتنا مع الصندوق من منطلق حاجياتنا الكبرى وواقعنا وليس من منطلق تصور هذه المؤسسة الدولية وحده لكي نحقق تقدما حقيقيا في سبيل بلوغ أهدافنا التنموية، كان يجب أن نحدد من أي موقع نتعامل معه (النقد الدولي)، فعندما تكون في موقع قوة تكتسب مصداقيّة على الصعيد العالمي، حتّى إن لم يقرض الصندوق تونس يمكن الخروج بأريحية على السوق العالمية والحصول على قروض بفوائض منخفضة'' وبالتالي ''تتحدّد عموما العلاقة مع صندوق النقد الدولي وعلاقة البلاد بالمؤسسات المالية الدولية بمدى قدرتها على إصلاح الوضع الداخلي. فإذا كان هناك فساد لم ننجح في مقاومته واقتصادنا ضعيف ولم نحقق أي نمو، نصبح بالضرورة خاضعين لشروط هذه المؤسسات''.

مؤكدا: ''هذه نقطة خلافي مع الحكومة لأنها لم تتجه نحو الاصلاح الداخلي وحوكمة المؤسسات قبل أي طرح اخر، هناك مؤسسات مطروحة للبيع على غرار الوكالة الوطنية للتبغ والوقيد وشركة الفولاذ بمنزل بورقيبة فضلا عن إعادة هيكلة البنوك العمومية، والغريب في الامر أن وكالة التبغ والوقيد مثلا لا تواجه أيّ صعوبات وليست خاسرة بل تحقق مداخيل جبائية لصالح الدولة تصل إلى 3000 مليار''.

الملفات العالقة

وتابع الوزير السابق: ''نقطة الخلاف الثانية مع الحكومة جاءت بعد أن طرحت على الأقلّ 5 ملفات منها ملف المورّدين، الذين لديهم ديون ولم تتم تسويتها إلى الان، وقد حصلت بصعوبة على وثيقة تضمّ أسماء مورّدين، لخمس سنوات فقط، وهم مدينون للدولة بآلاف المليارات، من بينهم مورّد مدان للدولة بـ 236 مليون دينار... وكان مقترحي انذاك تجميد الرمز الديواني للمورّدين، الذين تخلّدت بذمّتهم ديون، في انتظار تسوية وضعياتهم مع الديوانة، وأردنا متابعة وتنفيذ هذا الاجراء لكي نضمن تعبئة موارد مالية للدولة ولكننا فوجئنا بعدم تجاوب رئيس الحكومة وتبريره لذلك بوجود ضغوطات، إضافة إلى أن قرار تجميد الرمز الديواني كان قد تمّت المصادقة عليه من قبل مجلس وزراء في حكومة 'الحبيب الصيد'، في الفترة الأخيرة قبل رحيله ولكم أن تفسروا لماذا يتخذ مجلس الوزراء قرارا ولا يمكن تطبيقه على أرض الواقع مع أن الموارد، التي كان بالإمكان تعبئتها من خلاله كانت كفيلة بإنقاذ ميزانية الدولة''.
أما ملف الخلاف الثاني، فيتمثل وفق البريكي، في ملف الملابس المستعملة، وقال: ''كان هذا الملف مقنع جدا، بنظري، لأنّ مورّدي هذه الملابس كانوا معفىيين، طبقا للقانون، من الاداء الجمركي بشرط أن يتمّ إعادة تصدير جزء من وارداتهم بعد عمليّة الفرز مما يمكن البلاد من العملة الصعبة، لكن ما يحدث إلى حد الان هو أنّ هؤلاء المورّدين يدخلون الملابس معفيين من الأدءات ولا يصدرون شيئا ويبيعون كل البضاعة في السوق المحليّة، وقد يصدرون حاوية وهمية وبذلك يكونوا قد فوّتوا على الدولة موارد من الأداءات وحرموها من العملة الصعبة وخلقوا منافسة غير شريفة وغير عادلة مع صناعة النسيج المحلي وصناعة الجلود والأحذية''.

علاوة على ''ملف السيّارات، التي تدخل إلى تونس بشكل غريب مستفيدة من الامتياز الجبائي، الذي هو حكرا على الأشخاص، الذين يغادرون تراب الوطن. واكتشفت من خلال متابعتي لهذا الملف أنّ الكثير لم يغادروا التراب التونسي ومع ذلك يتمتّعون بهذا الإجراء، وتعتبر، هذه العمليّة، عمليّة تحيّل كبيرة وخطيرة لأنّ الإشكال ليس في دخول السيّارات إلى تونس ولكن في الاجراءات، التي سمحت لها بالدخول، وقد تكون محمّلة بالسلاح أو بأي بضائع ممنوعة أخرى. واكتشفت من خلال متابعة حالة واحدة أن هناك شبكة لتهريب السيّارات والملف موجود الان لدى القضاء''، حسب قوله.

حلول الأزمة الاقتصادية الراهنة

وقدم عبيد البريكي، حلولا، تمثلت ''أوّلا لا بد من تفعيل المجلس الوطني للحوار، الذّي تمّت المصادقة عليه منذ 3 سنوات، ومع ذلك لم يتأسّس بعد، بما أن الحوار أنقذنا في العديد من المناسباتـ فقد يشكّل المجلس موقعا لمناقشة كلّ القضايا الحارقة وبقدر توسيع دائرة المشاركة بقدر ما نوسّع دائرة الحلول، التّي تلزم الكل، كما لابد اليوم من اتخاذ اجراءات عاجلة خاصّة في مجال التشغيل بعد أن ثبتت حدود البرامج الموجودة مثل برنامجي "فرصتي" و"كرامة"، ويجب اليوم بعث إشارة طمأنة عن طريق بعث بنك للجهات أو صندوق تنمية الجهات والمبادرة بتشجيع الشباب ذوي الشهائد العليا على تكوين مجموعات وتدعيمهم بقرض كبير ومساندتهم وتأطيرهم للقيام بمشروع جماعي يمكن للدولة أن تكون طرفا فيه وتمكنهم من آجال 5 سنوات قبل تسديد القرض، أيضا يمكن، كراء الاراضي الدولية، التي تسترجعها الدولة الآن لمجموعات من الشباب لاستغلالها بدل عودة تجربة شركات الاحياء الفاشلة أو كرائها لأصحاب رؤوس الاموال.. لابد أن نمنح الشباب من الاوساط الفقيرة فرصة لاستغلال هذه الاراضي وكرائها لمدة 30 سنة مثلا ومرافقتهم ومساندتهم في ذلك''.

واستنتج البريكي، أنه ''لو تجرأت الحكومة وسعت إلى فضّ هذه الملفات (المذكورة) وعاقبت المخالفين ستكون بذلك أطلقت إشارة طمأنة وكشفت عن نيّة حقيقيّة لمكافحة الفساد، فالاشكال اليوم يكمن في عدم وجود ثقة بين الحكومة والساسّة بشكل عام وبين المواطنين، وإذا دعّمت الحكومة أواصر الثقة وأحسّ المواطنون بصدقها سيكون تطبيق القوانين أسهل بكثير لكن العكس هو ما يجري الآن وهذا خطير''.

ويذكر أن عبيد البريكي، لمدة 6 أشهر فقط منصب وزير الوظيفة العمومية والحوكمة، في حكومة الوحدة الوطنيّة، من 27 أوت 2016 وحتّى تقديم إستقالته في 25 فيفري من نفس السنة ليتمّ حذف الوزارة نهائيا بعد ذلك التاريخ.