التحركات الإحتجاجية في تونس.. عندما يستجيب الشارع التونسي لخصوصية شهر جانفي

التحركات الإحتجاجية في تونس.. عندما يستجيب الشارع التونسي لخصوصية شهر جانفي

تسعى حكومة يوسف الشاهد عبر قانون المالية لسنة 2018، إلى تجاوز العقبات التي تقف أمام ارتفاع نسبة النمو الاقتصادي والحد من العجز الحاصل في الميزانية والميزان التجاري وارتفاع نسبة التضخم التي بلغت نسبة 6.4% خلال شهر ديسمبر المنقضي، عبر إجراءات وصفت بـ ''الموجعة ولم يكن بيد الحكومة إقرار بديل عنها'' حسب إقرار رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي، نظرا للوضعية التي أصبح عليها الوضع الاقتصادي التونسي خلال السنوات الأخيرة.


الأزمة الاقتصادية التونسية والصعوبات التي تواجهها الحكومة


تشير التقارير الدولية، إلى الصعوبات التي تواجهها تونس في تسديد مبلغ تجاوز الستة مليارات دينار تونسي من الديون الخارجية، حيث بلغ الدين العمومي موفى شهر نوفمبر 2017، مستوى 69.5 بالمائة من الناتج المحلي الخام مقابل 61.4 بالمائة، في نوفمبر 2016 و61.9 لكامل سنة 2016، حسب نشرية حول الدين العمومي نشرتها وزارة المالية على موقعها الإلكتروني.


كما مر قائم الدين، من حيث القيمة، من 55921.5 مليون دينار خلال سنة 2016 إلى 67256.5 مليون دينار موفى نوفمبر 2017. ووصل الدين الخارجي، موفى نوفمبر 2017، إلى 46803.7 أي ما يعادل نسبة 48.35 بالمائة من الناتج المحلي الخام).
ويتكون قائم الدين الخارجي من 50 بالمائة من القروض المتعددة الأطراف و14 بالمائة من القروض الثنائية و36 بالمائة من قروض السوق المالية الدولية.


إلى جانب الصعوبات التي تواجهها تونس في تسديد الديون الخارجية، فإنّ أزمة الاقتصاد التونسي تظهر كذلك في ضعف الاحتياطي النقدي، حيث سبق وأنّ أعلن البنك المركزي التونسي أنّ احتياطات البلاد من العملات الأجنبية بلغت حتى 12 من ديسمبر الماضي نحو 12.4 مليار دينار تونسي ، وهو ما يغطي فقط 91 يوماً من الواردات، أي أنه يرتفع بيوم واحد فقط عن الحد الآمن لاحتياطات العملة الصعبة.


إضافة إلى ما سبق، فإنّ ارتفاع عجز الميزان التجاري يعتبر من أبرز التحديات التي تواجهها الحكومة، فحسب بيانات البنك المكزي التونسي، فإنّ العجز التجاري تعمق ليبلغ مستوى قياسي، موفى نوفمبر 2017، وقدر حجم العجز بـ 362 14 مليون دينار، مقابل 628 11 مليون دينار في نفس الفترة من سنة 2016.


كما تطور إجمالي الواردات بنسبة 19،2 بالمائة، بنسق أسرع من الصادرات (17.3 بالمائة) مما أدى إلى تدهور معدل التغطية (68.3 نقطة مائوية مقابل 69.4 نقطة موفى نوفمبر 2016.


وأظهرت الوثيقة أن ''العجز التجاري القياسي يفسر خصوصا باستمرار عجز الميزان الطاقي والميزان الغذائي عند مستويات مرتفعة إذ بلغت على التوالي 3.829 مليون دينار، و1.338 مليون دينار''.

أضف إلى ذلك ارتفاع نسبة التضخم حيث أفرزت النتائج النهائية للمسح الدوري للأسعار عند الإستهلاك العائلي التي يقوم بها المعهد الوطني للاستهلاك، تسجيل نسبة تضخم في حدود 6.4 بالمائة خلال شهر ديسمبر من سنة 2017، وفق المعهد الوطني للاحصاء.


وقد شهدت نسبة التضخم نسقا تصاعديا منذ بداية سنة 2017، حيث ارتفعت من 4.6 بالمائة في شهر جانفي إلى حدود 5 بالمائة خلال أفريل 2017 تبعه استقرار في مستوى 4.8 بالمائة خلال شهري ماي وجوان لتعاود الارتفاع إلى 6.3 بالمائة خلال شهر نوفمبر 2017 ثم مستوى 6.4 بالمائة خلال شهر ديسمبر 2017.


الجدير بالذكر، أن إرتفاع نسبة التضخم على علاقة بارتفاع الأسعار الحرة التي تراوحت بين 7.2 بالمائة و3.6 بالمائة في الانزلاق السنوي خلال شهر نوفمبر 2017 مقابل6.9 بالمائة و2.62 بالمائة في شهر أكتوبر وفي إرتفاع ملحوظ بالنسبة إلى الفترة ذاتها من سنة 2016 (4.8 بالمائة و1.2 بالمائة)، إضافة إلى إرتفاع أسعار المواد الغذائية (10.2 بالمائة في نوفمبر مقابل 8.4بالمائة) في أكتوبر الماضي


علاقة صندوق التقد الدولي بالأزمة

في كل مرة ترتفع فيها وتيرة الاحتقان الاجتماعي نتيجة انعكاس الأزمة الاقتصادية على المجتمع التونسي، تطفح علاقة تونس بصندوق النقد الدولي على السطح، وتنقسم المواقف بين من يرى أن الصندوق يسعى عبر قروضه المقدمة الى تونس لدفعها نحو الخروج من أزمتها عبر سياسة إصلاحات متكاملة وبرنامج واضح على الحكومة الالتزام به، وبين من يتبنى موقف مقابل يقول بأن الحكومة مرتهنة تماما لإملاءات صندوق النقد الدولي واشترط ايقاف الانتداب في الوظيفة العمومية وتسريح عدد من الموظفين ورفع الدعم عن المواد الغذائية.


الموقف الثاني نفاه مدير قسم الاتصال بصندوق النقد الدولي، جيري رايس الذي أكد أن الصندوق لم يطلب أبدا من تونس التخفيض في مستوى دعم المواد الغذائية في إطار دعمه لبرنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي، وأن التوصيات تتمثل أساسا في ضرورة التخفيض في عجز الميزانية وتجنب ارتفاع الدين العام، الأمر الذي يتطلب تركيز الجهود على الحد من ارتفاع فاتورة الأجور في الوظيفة العمومية والحد من دعم الطاقة، وتنفيذ الإصلاحات الجبائية بهدف مزيد ترسيخ العدالة الجبائية.

يشار إلى أن صندوق النقد الدولي كان قد اتفق مع تونس سنة 2016، على منحها قرضا بقيمة 2.9 مليار دولار على 8 أقساط تصرف على أربع سنوات حتى سنة 2020، لتنفيذ جملة من الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية، وكان القسط الثالث من القرض مقررا خلال شهر جوان من العام الماضي، إلا أنه أرجأ صرفه واشترط جملة من الإجراءات التي تهدف إلى تعديل المؤشرات الاقتصادية والمالية.


قانون المالية والتحذيرات من تبعاته


أمام الوضعية الصعبة للاقتصادي التونسي، وجدت حكومة يوسف الشاهد نفسها مضطرة لتضمين قانون المالية لسنة 2018 إجراءات وصفها رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي بـ "الموجعة". إجراءات تسعى من خلالها إلى الحد من العجز في الميزانية وخلق التوازانات المالية ''التي تشهد انخراما'' حسب توصيف رئيس الجمهورية.


ورغم أنّ قانون المالية، لم يتضمن زيادات في أسعار المواد الغذائية الأساسية، فإنّه تضمن الترفيع بنسبة 1 بالمائة في الأداء على القيمة المضافة الأمر الذي ينعكس مباشرة على أسعار العديد من المواد الاستهلاكية، إضافة إلى الترفيع في ضرائب السيارات وبطاقات شحن الهواتف والإقامة في النزل وغيرها.
كما افتتحت الحكومة العام الحالي بالإعلان عن زيادات في أسعار البنزين وأسعار الشاي والقهوة، أضف إلى ذلك إعلان الصيدلية المركزية الترفيع في أسعار حوالي 2500 نوع من الدواء.


قبل دخول قانون المالية حيّز التنفيذ، كان عدد من الخبراء قد حذّروا من تبعاته وأكّدوا أنّه يتضمن ''اجراءات موجعة ستؤدي الى نتائج كارثية لم تعرفها تونس من قبل"، و حيث قال الخبير الاقتصادي مراد الحطاب إنّ تونس حاليا فى مأزق ويجب التدارك ومراجعة مشروع هذا القانون الذي وصفه بالبعيد عن الواقع ومن شأنه المغامرة بمستقبل الشعب التونسي، ودعا التحلى بالحكمة والحرفية فى التعاطى مع الشأن المالي وعدم اثقال كاهل المواطن وارباكه وتهديد السلم الإجتماعى.
كما وصفة الخبير الاقتصادي محمد الجراية بـ ''القانون الانتحاري''.

من جهته، كان النائب عن الجبهة الشعبية المنجي الرحوي، قد حذّر بدوه من تبعات قانون المالية، وأكّد في تصريح سابق أن ''الزيادات المرتقبة في الأسعار خلال سنة 2018 لن يكون لها مثيلا''، مؤكّدا أنّ هذه الزيادات ستؤثر سلبا على المقدرة الشرائية للمواطن، حسب تعبيره.


و استنكر الاتحاد العام التونسي للشغل، في بيان أصدره بتاريخ 3 جانفي الجاري الزيادات في الأسعار التي تسبب فيها قانون المالية، محملا الحكومة مسؤوليتها إزاء تبعات الإجراءات التي وصفها بـ ''اللاّاجتماعية'' والتي تتّخذها على حساب الأجراء وضعاف الحال ومنعدمي الدخل ودعاها إلى التعويض لهذه الفئات.
كما حذّر اتحاد الشغل من تداعيات السياسات الموغلة في الليبرالية ويدعوها إلى ضمان سيادية القرار الوطني بما يؤمّن المصلحة العامّة للبلاد ويلبّي انتظارات عموم الشّعب واحتياجاتهم الاجتماعية.


كما دعت الجبهة الشعبية في بيان سابق إلى ضرورة التصدي لإجراءات الزيادة في الأسعار التي قالت إنها ستزيد في تفقير الطبقات الشعبية والوسطى واعتبرتها ''مقدمة لسلسلة إجراءات تقشفية أخري فرضها صندوق النقد الدولي.


الشارع التونسي يتحرّك

الشارع التونسي لم ينتظر طويلا، وكان وفيا للخصوصية التي اكتسبها شهر جانفي منذ 7 سبع سنوات، لتنطلق الاحتجاجات في الأحياء الشعبية للعاصمة والمناطق الداخلية، حيث بدأ الحراك الاحتجاجي بحملة ''فاش نستناو'' التي أطلقها عدد من النشطاء والطلبة يوم 3 جانفي الجاري، وبدأوا حملتهم بالكتابة على الجدران في العاصمة والوقفات الاحتجاجية بشارع الحبيب بورقيبة، ليتم إثر ذلك إيقاف عدد منهم في ولاية سوسة واستجوابهم.


وتطالب الحملة التي وصلت إلى مختلف مناطق وجهات البلاد بالتخفيض في أسعار المواد الأساسية والتراجع عن خوصصة المؤسسات العمومية وتوفير التغطية الاجتماعية والصحية للمعطلين من العمل وتوفير المساكن الاجتماعية للعائلات ذات الدخل المحدود والترفيع في منحة العائلات المعوزة وتشغيل فرد من كل عائلة ومراجعة السياسة الجبائية بما يراعي الدخل الفردي وإطلاق خطة وطنية استراتيجية وشاملة لمحاربة الفساد. وبعد أيام من إطلاقها، لقيت الحملة مساندة كبيرة من الأحزاب السياسية ال والمنظمات المدنية ، فيما أوقفت السلطات بعض أعضائها والتحقيق معهم بعد كتابتهم منشورات عدة على الجدران، قبل أن يتم الإفراج عنهم في ظل استنكار عدد من أحزاب المعارضة.


خروج الاحتجاجات عن السيطرة: الحصيلة وخارطة التحركات


التحركات الاحتجاجية السلمية سرعان ما انتشرت في مختلف مناطق البلاد، خاصة في الأحياء و المناطق التي ترتفع فيها معدلات البطالة والفقر، إلاّ أنّ هذه التحركات الاحتجاجية خاصة منها الليلية خرجت عن السيطرة، وأسفرت عن وفاة كهل بمعتمدية طبربة من ولاية منوبة، وتحولت إلى أعمال نهب وحرق ومواجهات بين المحتجين وقوات الأمن، في العديد من المناطق بـ 11 ولاية وهي وهي منوبة وأريانة وتونس وبن عروس والقصرين وسيدي بوزيد وباجة وقبلي وصفاقس وقفصة وسوسة، وتم خلالها إيقاف 237 شخصا.


في قفصة، أوقفت الوحدات الأمنية 8 أشخاص اعترفوا بتورطهم في اقتحام مركز الأمن الوطني بـ "القطار" أين قاموا بإخراج الوثائق والتجهيزات الموجودة داخله، كما اعترفوا باقتحامهم مقر القباضة المالية وحرقه واقتحام المستودع البلدي أين قاموا بسرقة سيارتين ودراجة نارية.


ولاية باجة:
- اقتحام مقر القباضة المالية بمعتمدية"نفزة "وحرقها ما أدى الى سقوط جزء من سقفها واقتحام المستودع البلدي ونهبه وكذلك نهب بلدية المكان وحرق جزء منها واقتحام مركز الأمن الوطني بالمكان وسرقة جزء من محتوياتها وسرقة سيارتين واحدة تابعة للمركز المذكور وأخرى تابعة للشرطة البلدية.

ولاية سيدي بوزيد:
قطع التيار الكهربائي عن عدد المنازل بأحياء تابعة للمدينة بعد العبث بمحول كهربائي تابع للشركة التونسية للكهرباء والغاز وألحقوا أضرارا به، كما قامت عناصر أخرى بمهاجمة المستودع البلدي للمدينة وسرقة أربع دراجات نارية واقتحام مغازة تجارية ونهبها، بحسب ذات المصدر.


ولاية بن عروس
فقد تم اقتحام مغازة تجارية بجهة "رادس" ونهبها وسرقة شاحنة وخمس دراجات نارية كانت بمحاذاتها، إضافة إلى محاولة اقتحام مغازة بجهة "الياسمينات" لنهبها.


وفي ولاية أريانة
تم إيقاف 31 شخصا عل خلفية أعمال النهب والسرقة من بينها محاولة اقتحام مركز أمني بـ "سيدي ثابت" من قبل مجموعة من المهاجمين تحولوا لاحقا إلى المستودع 8 اشخاص لدى محاولتهم اقتحام مركز الامن.


منوبة
وفي ولاية منوبة قال الشيباني إن مهاجمين اقتحموا المستودع البلدي بالجديدة واستولوا على مائة (100) دراجة نارية.

ولاية تونس
قال الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية، العميد خليفة الشيباني، إنه تم تهشيم موزع مالي تابع لفرع بنكي بمنطقة "سيدي حسين السيجومي"، وافتك آخرون على مستوى حي هلال دراجة نارية كان يمتطيها عون أمن وهو في طريق العودة الى منزله. وفي حي النور فقد أقدم مهاجمون على افتكاك سيارة وحاولوا اقتحام مركز أمني بالمكان بعد أن هشموا بلور نوافذه، لكن قوات الأمن هناك حالت دون اقتحامه، بحسب وزارة الداخلية.


ولاية القصرين
قام معتدون بمحاولة اقتحام مقر مركز للحرس الوطني هناك، كما قاموا بتهشيم كاميرات مراقبة. وفي "حي الزهور" التابع لنفس الولاية قال الشيباني إنه تم مساء الثلاثاء ليلا إيقاف موظف كان يقود سيارة إدارية وكان معه مبلغ مالي (حوالي ألفي دينار). وأذنت النيابة العمومية بالاحتفاظ به والتحقيق معه.


ولاية سوسة
حاول محتجون افتكاك سيارة أحد المواطنين لكن تدخل قوات الأمن حال دون ذلك، وفق الناطق باسم وزارة الداخلية.
ولاية صفاقس:
وفي معتمدية جبنيانة من ولاية صفاقس، قال الناطق الرسمي إن سائق سيارة تعمد الاصطدام بسيارة معتمد الجهة أثناء تحاوره مع شبان محتجين ما أدى الى إصابة السائق الذي نقل الى المستشفى لتلقى الإسعافات.


وقال الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية إن 58 عون شرطة وحرس لحقتهم إصابات متفاوتة لدى تصديهم لأعمال الحرق والتخريب. كما تضررت 57 سيارة عمل تابعة لتلك الوحدات.